المدن: سوريا ووسائل التواصل والمستوصفات: بوابات أهل عكار للطبابة والإستشفاء
مايز عبيدقبل أيامٍ كان الشاب أحمد ط. من إحدى القرى العكارية بحاجة إلى عملية جراحية كلفتها 4 آلاف دولار.
استدعت عملية أحمد استنفارًا واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات "واتس اب" لأكثر من أسبوع حتى تمكّن الناشطون المهتمون لقضيته من تأمين التبرعات اللازمة.
عمليات تأمين تكاليف العلاج والإستشفاء في عكار تدار من خلال مجموعات التواصل. هناك يتم جمع التبرعات للعمليات مهما كانت كلفتها حتى لو بلغت مئة دولار. وإذا كان أحمد قد وجد من يحتضن قضيته فإن كثراً لا يجدون من يهتم بقضاياهم.
باتت تكاليف الإستشفاء والعلاج تؤرّق الجميع مع تحوّلها إلى الدولار الأميركي سواء في المستشفيات الخاصة أو الحكومية، وعدم تمكّن كثيرين من تأمينها، في ظل تراجع كبير في تقديمات الجهات الضامنة من تعاونية موظفي الدولة أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، واعتماد المواطن على ذاته وقدراته لتأمين طبابته وعائلته. أما التأمين الصحي فبعيد المنال لأن اشتراكه السنوي يتجاوز الـ 3000 دولار للعائلة الواحدة.
اقبال على مراكز الرعاية
ارتفاع التكاليف الإستشفائية هو ما يفسّر التراجع في عدد نزلاء بعض المستشفيات في عكار. بالمقابل فإنّ مراكز الرعاية الصحية الأولية تشهد ضغطاً هائلاً لأنها تبدو الملاذ شبه الوحيد للمواطنين الهاربين من كيّ صناديق المستشفيات التي تطلب الدفع المسبق قبل دخول المريض إلى المستشفى مهما كانت حالته الصحية. في بعض هذه المراكز طوارئ ليلية، ولو بالحد الأدنى، وبعضها لا يفتح إلا ساعات بعد الظهر.
وتعتمد هذه المراكز وعددها 35 في عكار- بحسب الموقع الرسمي لوزارة الصحة - على دعم الجهات المانحة وهي تتقاضى مبالغ زهيدة بالليرة اللبنانية وتقدّم الأدوية الموجودة في صيدلياتها لمرضاها بشكل مجاني.
هذا الإقبال على مراكز الرعاية لا يعني أنها لا تحتاج إلى تطوير خدماتها.
يشير المدير الطبي لمركز الإيمان الصحي الدكتور كفاح الكسّار لـ"لمدن" إلى أن "مراكز الرعاية الأولية هي الملاذ الأخير للمريض في عكار بعدما ساوت الأزمة بين كل الفئات ولم يعد هناك إلا قلة تستطيع دخول المستشفيات".
يضيف "لا شك أن الخدمة في هذه المراكز على درجة عالية من الجودة، وهي تقوم بدور كبير بما لديها من إمكانات في وقت تصرّ فيه بعض المستشفيات على عدم الإلتزام بالمعايير والضوابط التي تضعها وزارة الصحة في تسعير الكلفة الإستشفائية من دون التقيّد بالجانب الإنساني لهذه المهنة".
ويعتبر الكسار بأن "من غير المعقول تصديق أن ليلة واحدة في العناية لطفل في مستشفى حكومي تكلّف مئتي دولار.
فلو فرضنا هذا الطفل سيبقى ثلاث ليالٍ فإن والده بحاجة إلى راتب ثلاثة أشهر ليعالجه. الوزير فراس الأبيض يقوم بدور مهم في الحفاظ على القطاع الصحي في ظروف صعبة للغاية لكنّ جشع بعض المستشفيات يحتّم ثورة إنسانية أخلاقية يقودها بالدرجة الأولى وزير الصحة لإعادة بعض المستشفيات إلى مبدأ المهنة التي تمارسها وهي الإنسانية".
ويرى الكسار أن دعم مراكز الرعاية بات أولوية "سواء من خلال تأمين الدعم اللوجستي وتدريب الكوادر أو من خلال تأمين مستلزمات مختلفة من أدوية إضافية تحتاجها الصيدليات وهي غير موجودة، أو من خلال تزويدها بالطاقة الشمسية وغيرها، كما ضرورة أن تشتمل هذه المراكز على العلاجات النفسية والإهتمام بكبار السن وذوي الإحتياجات الخاصة".
العلاج بين لبنان وسوريا
نتيجة الكلفة المرتفعة، يتوجه كثرٌ من أبناء عكار إلى سوريا لإجراء العمليات الجراحية والفحوصات والصور وشراء الأدوية أيضاً، ذلك أن تكاليفها أدنى بكثير مما هي عليه في لبنان. محمود السيد، مواطن عكاري يروي لـ"المدن" أنه أجرى "عملية جراحية للشرايين في سوريا بكلفة 2000 دولار أميركي بينما كان الطبيب في لبنان يريد 6000 دولار لاجرائها وقد نجحت العملية بنسبة 100 بالمئة".
وبينما ينزح اللبناني إلى سوريا من أجل العلاج يشتكي بعض اللبنانيين من أن النازح السوري يتطبب في لبنان معتمداً على الأمم المتحدة. لكن وقائع الأمور تشير إلى أن الأخيرة لا تزال تغطّي للنازحين السوريين العمليات، كالولادات والجراحات ويدفع المريض ما بين 10 إلى 20% من قيمة الفاتورة؛ بينما لا تغطي حالات أخرى أقل حدّة مثل العين والأنف والأذن والحنجرة وغيرها.
وعلى الرغم من أن ، جمعيات ومنظمات أخرى تدعم الإستشفاء للنازحين السوريين إلا أن خدماتها تراجعت أيضاً عن السنوات الأولى للنزوح، مما يجعل النازح السوري يعاني أيضاً على المستوى الصحي كما يعاني المواطن اللبناني.