لبنان الكبير: علاقة الجيش والشمال... "خزان" الأمان و"معقل" الشهداء
إسراء ديبيحلّ عيد الجيش هذا العام في ظروف استثنائية صعبة يُواجهها أبناء الشمال على المستويات كافة، وليس خافياً على أحد أنّ "القهر" السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي والانمائي الذي يعيشونه، أصبح لا يقتصر عليهم فحسب، بل امتدّ ليصل إلى عناصر الجيش اللبناني الذين باتوا عاجزين عن دفع حتّى ثمن نقلهم إلى ثكناتهم العسكرية البعيدة، ما دفع بعضهم إلى الانتظار يومياً على الأوتوستراد بانتظار الـ"أوتو ستوب"، في مشهدٍ قاس يُعبّر عن حجم المأساة التي باتت تضرب البلاد كما هذه المؤسسة التي لا ينكر أحد أنّها قدّمت الكثير للبنان.
لا يُمكن مقارنة صورة المؤسسة العسكرية وواقعها اليوم بالأمس، فهذه "القاعدة" العسكرية التي كانت ولا تزال تعكس ثبات البلاد واستقرارها وكان يتسابق الآلاف من الشماليين للانخراط في صفوفها بحثاً عن الراحة والأمان المعيشي والاجتماعي كما التربوي، تُحاول قدر المستطاع الاستمرار والصمود أمام مختلف التحدّيات، ولا يُبالغ أحدهم حين يقول إنّ العلاقة بين الجيش والشمال باتت وطيدة للغاية حالياً، ليس بسبب وجود عكّار "خزان الجيش الأكبر" في البلاد، ولا بسبب التضحيات أو البطولات التي قدّمها الجيش في طرابلس أو في أيّ محافظة أخرى، ولا حتّى بسبب قدرته على وأد الفتنة في الكثير من الأحداث شمالاً كان آخرها حادثة بقاعصفرين وبشرّي، بل بسبب التوافق على مبدأ "الحرمان" أيّ العنوان الأساس الذي اتسمت به علاقة الشماليين بدولتهم والمعنيين بها لعقود من الزمن، وكان الجيش هو صلة الوصل الوحيدة التي تضع الشمال على خريطة الدولة.
وفق المعطيات القانونية، فإنّ الازمات المالية التي يُواجهها المتقاعدون في الجيش تدفع بعضهم إلى الاعتصام والاحتجاج باستمرار، فيما انعكست الأزمة مباشرة على عناصر الجيش الذين باتوا يعتمدون على الـ "أوتو ستوب" الذي أقحم مواطنين في مشكلات لا تُعدّ ولا تُحصى. ويقول مصدر قانوني لـ "لبنان الكبير": "أيّ عنصر يتعرّض لأيّ حادثة كانت مع السائق، يتحوّل ملفه إلى المحكمة العسكرية فيُحاسب من نقله أو بالأحرى فاعل الخير الذي يُجبر على تحمّل المسؤولية كالعلاج وكل هذه الأمور، وهذا إجراء قانوني يحرّم على البعض القيام بهذه الخطوة التي تُؤدّي إلى توقيف صاحب المركبة ومحاسبته خصوصاً إنْ كان لا يملك دفتر القيادة أو عندما تكون أوراقه غير رسمية. وهذا الأمر يعود إلى النيابة العامّة التي تحكم حسب الجرم، لكن وفق اطّلاعي لا يزال المئات من المواطنين يومياً يقومون بنقل عناصر الجيش معهم غالباً من طرابلس إلى بيروت مثلاً في طريقهم لأنّهم يشفقون على حالهم".
يُمكن القول إنّ الفئات الشعبية التي غالباً ما تكون فقيرة، هربت إلى حضن المؤسسة التي باتت تحتاج إلى من يحتضنها كما تستحقّ، كما قدّم الآلاف من الشماليين أرواحهم فداءً لهذه المؤسسة لا حباً بالوطن كما يرى البعض، في وقتٍ كان يقوم فيه سياسيون ومعنيون ومتاجرون بتشكيل ثقب يُشكّك المواطنين بقيمة المؤسسة ووفائها لكلّ منتسبيها ومناصريها، وهذا ما لم يتمكّن أحد منه حتّى اللحظة، فعلى الرّغم من المواقف التي يتخذها الشماليون وفي طليعتهم الطرابلسيون من أجهزة أمنية مختلفة، تبقى المؤسسة العسكرية هي المثال "الأعلى" بالنسبة إليهم، ولا يمانع أيّ منهم أن يفرض الجيش سلطته عبر بسط الأمن لأنّهم يثقون به ويرونه "صمام أمان"، ولا يخشون زيارة قائد الجيش العماد جوزيف عون لأنّه كان ولا يزال بالنسبة اليهم "أميناً" على عمله وفق ما يقول مصدر سياسيّ لـ "لبنان الكبير"، ويُشدّد على أنّ "الجيش لم يحمل يوماً ضغينة مقصودة على المواطنين، ويُمكن التأكيد أنّ قائد الجيش لعب دوراً مهماً في تسوية العلاقات بين الشماليين والجيش كيّ لا يرصد أحد تجاوزاً من المؤسسة".
خزّان الشهداء
ترى بعض عائلات الشهداء وذويهم شمالاً، أنّ الانضمام إلى صفوف الجيش تحوّل من نعمة إلى نقمة بعد خسارتهم أبناءهم أو أزواجهم، وقد أخذت عكار الحصة الأكبر من هذه المأساة الوطنية التي غمّست بالدماء. ونستذكر بعض الأحداث الدامية منها:
- عام 2007، اشتباكات بين الجيش وحركة "فتح الاسلام" في مخيم نهر البارد، وكانت حصيلة شهداء الجيش مرتفعة بحيث بلغت 163 شهيداً، نذكر منهم العريف الشهيد خالد أحمد طالب (مواليد عام 1983 مشمش - عكار)، الذي "استُشهد أثناء قيامه بالواجب العسكري في مهمّة الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشمال"، والعريف الشهيد الياس حنّا الأحمر (مواليد 22/11/1985) من سفينة الدريب - عكار.
- عام 2008، سقوط شهداء في انفجار دمويّ استهدف حافلة عسكرية في طرابلس، حيث استشهد خمسة عسكريين وأصيب 24 شخصاً بجروح بينهم 18 عسكرياً، ووفق التحقيقات نتج الانفجار عن عبوة ناسفة كانت موضوعة خارج الباص، وقدِّرت زنتها بنحو 2000 غرام من مادة TNT.
- عام 2009، استشهد 4 عسكريين من الجيش بعد تعرّض دورية لكمين مسلّح على طريق بعلبك، أحدهم طرابلسيّ وثلاثة من عكار هم: المعاون أوّل محمود مرون، الجنديان بدر بغداد وزكريا حبلص والعريف خضر سليمان.
- عام 2014، خطف عسكريّون في عرسال أيّ الحدث الذي أجبر عائلات المخطوفين شمالاً على قطع الطرق والاعتصام في الشمال، أو في العاصمة كما في عرسال باستمرار للوصول إلى نهاية هذا الملف الذي أقفل عام 2017 عقب التحقّق من رفات الجنود، ومن الشهداء نستذكر الشهيد إبراهيم سمير مغيط ابن بلدة القلمون الشمالية... وغيرها من الأحداث التي تُظهر تضحية متبادلة ومستمرّة بين الشماليين والجيش.