عشاء البخاري ودريان ونوّاب سنّة: بدلٌ عن ضائع
عبد الكافي الصمدلم يكن عشاءً إستثنائياً ذاك الذي أقامه السّفير السّعودي في لبنان وليد البخاري، مساء الأربعاء 26 تمّوز الجاري، على شرف مفتي الجمهورية الشّيخ عبد اللطيف دريان، ذلك أنّ حضور 16 نائباً سنياً فيه، من دون بقية الطوائف والمذاهب، ترك تفسيرات وأبعاد سياسية مختلفة ومتعدّدة.
فاللقاء بدا بدلاً عن ضائع. إذ حفلت الأيّام الأخيرة بتسريبات ومواقف إعلامية تحدثت عن أنّ المفتي دريان في صدد دعوة نوّاب الطّائفة السنّية إلى إجتماع موسّع في دار الفتوى، على غرار الإجتماع الذي عقد في شهر أيلول من العام الماضي، للتداول بآخر التطوّرات في البلاد، وتحديداً إستحقاق إنتخاب رئيس للجمهورية، غير أنّ ما شاب لقاء العام الماضي من إعتراضات عدّة، سبقته ورافقته وتبعته، جعل إمكانية إنعقاد هكذا لقاء متعذراً وغير ممكن، وأنّ دار الفتوى وصاحبها سيتلقيان ضربة قوية إذا ما أصرّ سماحته على عقد اللقاء، كون أغلبية من نوّاب الطّائفة لن يلبّوا دعوته، ما سيظهره في موقع ضعيف لا يليق به وبموقعه، ولا يُحسد عليه.
هذا الموقف المحرج لصاحب السّماحة دفع السّفير البخاري إلى اختراع إخراج مشرّف شكلاً للمفتي، بعدما تلقف الدعوة ووجهها إلى نواب الطائفة، الذين لبى 16 منهم دعوته إلى منزله في الرابية، ما أظهر للسّفير البخاري قدرة، على الأقل معنوية، ومونة على عدد كبير من النوّاب السنّة أكثر ممّا للمفتي، لجمعهم ولو على طاولة عشاء.
فالنوّاب السنّة، ومعهم طائفتهم، الذين بدوا منذ إنسحاب الرئيس سعد الحريري وتيّار المستقبل من المشهد السّياسي، بطلب سعودي، وعزوف رؤساء الحكومات السّابقين عن الترشّح للإنتخابات النيابية، جسد بلا رأس، ومنقسمين، وموزّعين على كتل وأحزاب وتيّارات مختلفة، حاولت السّعودية وتحاول القول إنّها ما تزال هي المرجعية السّياسية للسنّة، أو أغلبيتهم، في لبنان، وبأنّها الوحيدة القادرة على جمعهم، ولو شكلاً، وإنْ على عشاء، برغم أنّها هي من تسبّب، لأسباب مختلفة، بهذا الفراغ في السّاحة السنّية، من غير أن تعمل على إيجاد بديل.
هذا الإنقسام بين النوّاب السنّة الذي جاء نتيجة الفراغ الكبير في غياب أو تنحّي أو إنسحاب قياداتهم ومرجعياتهم، ظهر جليّاً في أعقاب إنتخابات 15 أيّار 2022، لمّا ذهب 16 نائباً من أصل 27 إلى الإستشارات النيابية الملزمة لإختيار شخصية تُكلّف تأليف الحكومة، كلٌّ بمفرده، من غير إغفال أنّ عدّداً آخر من النوّاب السنّة مُلحقٌ بكتل نيابية ليست سنّية، مثل قاسم هاشم (التنمية والتحرير)، بلال عبد الله (اللقاء الديمقراطي)، ينال الصلح وملحم الحجيري (الوفاء للkmاومة)، بينما كانت الكتل السنّية الصافية محدودة العدد مثل كتلة جمعية المشاريع الإسلامية (نائبان هما عدنان طرابلس وطه ناجي) وكتلة الجماعة الإسلامية (نائب واحد هو عماد الحوت)، في حين كان بقية النوّاب يمثلون كلٌّ بمفرده حالة سياسية خاصّة، سواء كانوا مستقلين أو تغييرين، بعيداً عن حجمها ووزنها.
واللافت أنّ عشاء البخاري للمفتي ونواب سنّة تزامن مع زيارة الموفد الرئاسي إلى لبنان جان إيف لودريان، في إيحاء ليس خافياً أنّ السّعودية تريد القول للموفد الفرنسي ومن خلفه اللجنة الخماسية المعنية بالملف اللبناني، ومنها فرنسا، بأنّها مرجعية السنّة في لبنان في ظلّ غياب مرجعياتهم السّياسية المحلية، برغم تصريح البخاري أنّ بلاده "لا تتدخل في أسماء المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية، وهي على مسافة واحدة من الجميع، وهذا خيار للسّادة النوّاب، وهي تطرح معايير ومواصفات فقط".
وإذا كان لافتاً غياب نوّاب مقرّبين من السّعودية عن عشاء البخاري، مثل النائب أشرف ريفي، ونوّاب ليسوا بعيدين عنها مثل النائب وليد البعريني الذي حضر عدد من زملائه في "تكتل الإعتدال" العشاء، فإنّ النوّاب الذين حضروا ذلك العشاء ليسوا جمعيهم تحت عباءة المملكة، وهي تمون عليهم بشكل نسبي ومعين، وقسم منهم حضر العشاء حرصاً على تأمين مصالحه الخاصّة أكثر منه إلتزاماً بقرار السّعودية، لأنّه عندما يجدّ الجدّ فإنّ لكلّ نائب من هؤلاء حساباته التي لا تتقاطع مع القرار السّعودي إلّا جزئياً، ولأنّ أغلب الذي حضروا العشاء يدركون أنّ كلمة السّر بما يتعلق بالإستحقاق الرئاسي لم تأتِ بعد، وهي عندما تأتي لن تكون بالضرورة خلال عشاء.