المدن: جريمة بشرّي بمسار خطير: "القرنة السوداء" أعلى قمم التطييف
جنى الدهيبيلم يمض شهر واحد على جريمة القرنة السوداء المروعة التي سقط ضحيتها الشابان هيثم ومالك طوق من بشري، حتى صارت مسألة تسييس وتطييف القضية فعلًا رسميًا وجليًا في البيانات المضادة بين نواب وفعاليات كل من الضنية وبشري، إضافة إلى محاولات الضغط والتأثير على القضاء وتطويق عمله.
قضائيًا، لم تنته التحقيقات التي تشرف عليها قاضية التحقيق الأول في الشمال، سمرندا نصار، مع الموقوفين بالقضية، حيث أحالته الاسبوع الماضي إلى المحكمة العسكرية، التي ستقوم بمتابعته على قاعدة أنه من اختصاصها.
واستباقًا لنتائج التحقيق، يرى مراقبون أن المواقف الصادرة عن قيادات المنطقتين تأجج الوضع بين أبناء المنطقتين في الخلاف التاريخي حول ملكية القرنة السوداء، بين نواب من الضنية يطلقون خطابات شعوبية على حقهم بملكية القرنة السوداء، ونواب من بشري يعتبرون أنهم دفعوا دمًا في سبيل تثبيت ملكيتها لهم.
تأجيج وعرقلة القضاء
وأمام هذا المشهد، ثمة خشية من أن تؤدي الخطابات إلى مزيد من الاحتقان بين أبناء المنطقتين، بافتعال عداوة يهدف أصحابها إلى الحصول على مزيد من التأييد الشعبي، خارج منطق الدعوة للاحتكام إلى القضاء وحسب، إلى حين جلاء الملابسات الكاملة لجريمة مقتل الشابين.
وما فاقم الوضع سوءًا، هو توقيت إقدام الوكيل القانوني لبلديّة بقاعصفرين المحامي مازن إسطنبولي، قبل نحو أسبوع، التقدم بطلب نقل دعوى النزاع العقاري الحاصل بين بلديتي بقاعصفرين وبشري على ملكية القرنة السوداء، من أمام القاضي العقاري الإضافي تيريز المقوم، لعلّة "الارتياب المشروع في وجه القاضية".
وذلك بعد أكثر من ثلاث سنوات على عمل القاضية وفريق عملها التقني المؤلف من 4 خبراء من المساحين (اثنين مسيحيين واثنين مسلمين)، وبعد سنوات من دراسة الخرائط والوثائق. هذه الخطوة التي من شأنها أن تأخر وتعرقل عمل القضاء على الملف، أثارت غضبًا كبيرًا في بشري، واعتبرها النائبان استريدا جعجع وملحم طوق رسالة سلبية لنسف عمل القضاء ولانتزاع ما يعتبرونه حقهم بملكية القرنة السوداء.
المواقف المضادة
ويوم أمس السبت، ظهر النائب جهاد الصمد خلال لقاء موسع في بلدة بخعون في الضنية بموقف تصعيدي ضد نواب بشري، حيث أدى خطابه على منصة تحمل صورة خرائط القرنة السوداء، متهمًا قائد الجيش جوزيف عون بعدم التوازن والتمييز في قضية مقتل الشابين، ولجهة تواصل النائبة جعجع معه، من دون أن يشرح كامل ما رمى إليه بهذا الاتهام.
واللافت أن الصمد حاول مجددًا نسف عمل القاضية العقارية، بالقول إن "أي تعديل في الحدود بين الضنية وبشري لا يمكن أن يبت بها القاضي العقاري، بل بقانون يصدر عن المجلس النيابي".
وزعم بأن صلاحية القاضي العقاري تنحصر فقط بالاستعانة بأهل الخبرة لمطابقة الخرائط القانونية. وأضاف: "نحن إذ نؤكّد ذلك لا نقصد الاستفزاز أو التحدّي أو الفتنة. نؤكد ذلك بالأدلة والخرائط والقرائن، ونحتكم إلى القضاء العادل، النزيه، العالِم والمجرد".
ويأتي خطاب الصمد بعد نحو أسبوع من مساعٍ، تمترس كل طرف بتكتل ضد الآخر، حيث سبق أن صدر بيان مشترك عن نواب الضنية وبلدياتها ورابطة مخاتيرها، طالبوا فيه الفصل بين جريمة مقتل الشابين، وبين النزاع بين بشري والضنية "الذي تدرج من مجرد خلاف على استخدام مياه نسافات الثلوج ورعي المواشي، إلى نزاع على ملكية الأرض".
وواقع الحال، يصر نواب الضنية وفعالياتها على أن الحدود الإدارية لقضاء المنية-الضنية مع قضاء بشري مرسمة ومحددة بموجب خرائط ثابتة وموثقة لدى جميع الوزارات وإدارات الدولة الرسمية، وأن الخلاف مع بشري كان مقتصرًا على مد قساطل المياه ورعي المواشي.
في حين يعتبر نائبا بشري أن ثمة سعيًا لتزوير الحقائق والسعي للتدخل بعمل القضاء وعرقلته.
وفي ظل إصرارهم الموازي على تسمية القرنة السوداء بـ"قمة الشهداء"، يقولان مع فعاليات بشري على أن بلدية بقاعصفرن عجزت عن إقامة الدليل على ما تصفه بملكيتها للقرنة، "لا سيما بعد تأكيد مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني بأن الخرائط الموضوعة من قبل الجيش هي خرائط عسكرية لتحديد المواقع العسكرية فقط، ولا علاقة لها إطلاقاً بتحديد وتثبيت الحدود في محلة قمة الشهداء".
وخلافًا لنواب الضنية، يؤكدان أن النزاع ليس حول استخدام مياه نسافات الثلوج، باعتبار أن بلدية بشري تتولى تلزيم المراعي بموجب دفاتر شروط جرى إبرازها للقضاء المختص.
وفي السياق، تشير معلومات "المدن" إلى أن هذا الصراع المحموم بين الطرفين، وما يتسبب به من احتقان شعبي بين أبناء بشري من جهة والضنية وبقاعصفرين من جهة أخرى، قد يؤدي إلى تأخير صدور الحكم القضائي بمقتل الشابين.
كما أن أي نتيجة للتحقيق ستكون قابلة للطعن والتشكيك إذا لم تأت كما يشتهيها كل طرف. إضافة إلى شبه استحالة حل النزاع العقاري قضائيًا بالوقت الراهن حول ملكية القرنة السوداء، لما سيكون له من تداعيات خطيرة.
وفي هذا الوقت، تطفو على منصات التواصل الاجتماعي للناشطين في المنطقتين، سيلًا من المواقف التي تكشف خطابًا مليئًا بالكراهية والتحريض والطائفية، وكأن قضية القرنة السوداء قضية تحرير أرض من الأعداء! ويتساءل كثيرون: من المسؤول عن النتائج المحتملة للخطاب القائم بين قيادات المنطقتين؟