بو حبيب يُبرّر تنحّيه عن رئاسة وفد حول النّازحين: حججٌ مردودة
عبد الكافي الصمدلم تكد تمرّ 24 ساعة على المعلومات والتصريحات التي أفادت أنّ وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب قد أبدى رغبته بالتنحي عن ترؤس الوفد الوزاري الذي كان ينوي زيارة دمشق للتباحث مع الحكومة السورية حول أزمة النّازحين السّوريين في لبنان، وما أثاره ذلك من مواقف وردود فعل وتحليلات، حتى خرجت الوزارة (الأحد 16 / 7 / تمّوز)، بإيعاز من بو حبيب، للردّ على ما أثير حول تنحيه، لكنّ الردّ بدلاً من أن يكون دفاعاً عن قرار بوحبيب شكّل العكس.
فقد نفى البيان أن تكون إستنتاجات البعض عن تنحّي بو حبيب هو بسبب "تطوّرات وقرارات أجنبية صادرة حديثاً تتعلق بملف النّازحين السّوريين"، في إشارة مرتبطة بقرار البرلمان الأوروبي، الذي إتخذ قراراً يوم الأربعاء الماضي، 12 تمّوز الجاري، يقضي بدعم عدم إعادة النّازحين السّوريين في لبنان، وبقاءهم حيث هم، من غير أن يصدر عن الحكومة أو رئيسها نجيب ميقاتي أو وزير خارجيتها (بو حبيب نفسه) أيّ تعليق أو رفض أو استنكار لهذا القرار الذي لقي موجة إعتراض داخلية واسعة.
وبرّر بو حبيب تنحيه، وفق بيان وزارة الخارجية، بأنّ دور وزارته في مسألة النّازحين السّوريين في لبنان هو "التواصل والقيام بالإتصالات الديبلوماسية والسياسية مع الأشقاء العرب، وخصوصاً السوريين، وسائر الدول الصديقة"، معتبراً أنّ لهذا الملف "مسائل تقنية" تعود صلاحية متابعتها للوزراء والأجهزة المختصّة الأخرى.
غير أنّ هذا التبرير يدحضه ترؤس بو حبيب، في 7 شباط الماضي، وفداً وزارياً لبنانياً زار العاصمة السّورية دمشق للتضامن معها بعد الزلزال الذي ضربها وتركيا قبل ذلك بيوم واحد، وحينها لم يكن يفترض أن يترأس بو حبيب الوفد الزائر ـ إذا كان الأمر يتعلق بمسائل تقنية ـ
بل أن يترك رئاسة الوفد لسواه من الوزراء الذين يمكن لوزاراتهم تقديم مساعدات ومعونات للمتضرّرين من الزلزال.
فكيف يكون الأمر مباحاً ومبرّراً تارة، وغير مباح ولا مبرّر تارة أخرى، وهل يمكن للوزير بو حبيب أن ينفي، وأن يُصدّقه اللبنانيون في هذا النفي، أنّ ضغوطات غربية مورست عليه وعلى حكومة ميقاتي لمنع الوفد اللبناني من زيارة دمشق ومناقشة ملف النّازحين.
وزاد بو حبيب وفق بيان وزارة الخارجية من تبريراته المتناقضة لتنحيه، وغير المقنعة، قوله إنّ جدول أعمال وزارته في الشّهرين المقبلين، آب وأيلول، مزدحمين
"بمناسبات عدّة تتطلب حضوراً ومشاركة رفيعة المستوى"، أيّ حضوره شخصياً، منها مناسبات وإجتماعات عربية وأخرى على مستوى الأمم المتحدة في مقرّها في نيويورك وغيرها من اللقاءات والمؤتمرات الإقليمية والدولية، لكنّ بو حبيب نسي أو تجاهل بأنّه وحكومة ميقاتي أضاعا شهراً ونصف منذ أن أعلن ميقاتي في 2 حزيران الماضي، في حديث تلفزيوني، بأنّ الحكومة "في صدد تشكيل لجنة وزارية للذهاب إلى دمشق لبحث ملف النّازحين السّوريين"، ما يعني أنّه في هذه الفترة كان يمكن تشكيل الوفد والذهاب إلى دمشق ومناقشة ملف النّازحين مع الحكومة السورية، على أن يترك بو حبيب بعدها "المسائل التقنية" لأعضاء الوفد اللبناني لمناقشتها مع المسؤولين السّوريين.
لكنّ المسألة لا تقف عند هذا الحدّ. إذ عدا عن أنّ الحكومة اللبنانية لم تحصل بعد على "داتا" المعلومات الموجودة عند المفوضية العليا لشؤون النّازجين، بعدما رفضت هذه الأخيرة الإستجابة لطلبات الحكومة اللبنانية مراراً في هذا الصدد، ما سيجعل الوفد اللبناني يذهب إلى دمشق من غير أن يملك أيّ قاعدة بيانات، وبالتالي أيّ خطّة لإعادة النّازحين إلى بلادهم، فإنّ موقف الحكومة اللبنانية من ملف النّازحين السّوريين ليس موحّداً لبحثه مع المسؤولين السّوريين.
فمثل جميع الملفات الأخرى، أحدث ملف النّازحين السّوريين في لبنان إنقساماً داخليّاً واسعاً، إنطلاقاً من أسباب سياسية وطائفية وإقتصادية وإجتماعية.
ففي حين يرى بعض اللبنانيين أنّ مناقشة ملف النّازحين مع الحكومة السّورية أمراً طبيعياً، يرى آخرون أنّه مقدمة للتطبيع مع "النظام".
وبينما يعتبر قسم من اللبنانيين أنّ بقاء النّازحين في لبنان سيؤدي إلى طغيان طائفي ومذهبي على حساب آخرين، يتعامل آخرون مع الملف على نحو معاكس، وبشكل عنصري. وفي حين يُحمّل بعض اللبنانيين النّازحين السّوريين تبعات أزمات البلاد الإقتصادية والمعيشية، ينظر آخرون إلى النّازحين السّوريين على أنّهم أسهموا بشكل أو بآخر في تنشيط قطاعات مختلفة كانت تعاني من الشّلل.
وأخيراً، يرى كثيرون بأنّ الروابط الإجتماعية بين الشّعبين، اللبناني والسّوري، لا تجعل من وجود النّازحين السّوريين مشكلة كما يُصوّر البعض، ويُحاول الترويج له.
فأيّ صيغة من هذه الصيغ المتناقضة سيحملها أيّ وفد وزاري لبناني سيزور دمشق لمناقشة ملف النّازحين مع حكومتها؟