السّنّة والتسوية: تراجع الدور أم غياب الدعم؟
عبد الكافي الصمدالسّنّة غائبون. هكذا يختصر كثير من المراقبين المشهد السّياسي العام للطّائفة السّنّية في لبنان، ليس فقط بما يتعلق بإستحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث ليس للسّنّة وزنٌ ولا رأي ولا مرشّح ولا صوتٌ مسموع، إنّما أيضاً في مختلف نواحي الحياة السّياسية في البلاد.
آخر فصول هذا الغياب برز بشكل لافت خلال جولة الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، حيث سقط من جدول لقاءاته الإجتماع مع أيّ مسؤول أو نائب سنّي سوى مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لكونه يحتل موقعاً وظيفياً أكثر من كونه صاحب موقع سياسي مؤثّر، ذلك أنّه لو كان ميقاتي خارج السّلطة لكان سقط من جدول لقاءات لودريان كما سقط رؤساء الحكومات السّابقين.
إسقاط السّياسيين والنوّاب السّنة من حسبان الموفدين الدوليين إلى لبنان، وعدم إعطاء أيّ إعتبار لهم، وقبله إسقاطهم أيضاً من أيّ لقاءات أو مشاورات تتعلق بالملفات العامّة الداخلية، يعود إلى تشتتهم وتفرّقهم من غير أن تفلح جهود خجولة بذلت لجمعهم ضمن تكتل سياسي أو نيابي واحد، لكيّ تكون لهم كلمة ووزن، ولكيّ يعوّضوا غياب أقطاب الطّائفة السنّية عن المشهد السّياسي بعد الإنتخابات النيابية التي جرت في صيف العام الماضي.
ففي تلك الإنتخابات غاب أعضاء نادي رؤساء الحكومات عن خوض الإنتخابات، إذ أعلنوا تباعاً إنسحابهم واحداً تلو الآخر، من تمّام سلام إلى فؤاد السّنيورة مروراً بنجيب ميقاتي وحسّان دياب، لكن الإنسحاب الأبرز كان للرئيس سعد الحريري، الذي كان لانسحابه الأثر الأكبر في ضعف التمثيل السنّي، نيايباً وسياسياً، نظراً لكونه صاحب الحضور الأوسع والكبير على السّاحة السنّية، كما لأنّه إنسحب من غير وجود بديل يمكنه ملء الفراغ الواسع الذي تركه خلفه على السّاحة السنّية.
يكفي للدلالة على حجم هذا الفراغ والتشتت غير المسبوقين على السّاحة السنّية، بأنّ 16 نائباً سنّياً، من أصل 27 نائباً، شاركوا فرادى في الإستشارات النيابية الملزمة التي جرت في أعقاب الإنتخابات النيابية التي جرت العام الماضي لتكليف شخصية سياسية تأليف الحكومة، وهو إنقسام وتفرّق لم تعرفه الطّائفة السّنّية بهذا الشكل من قبل، مع تسجيل أمر لافت تمثل في أنّ نواباً تحالفوا مع بعضهم إنتخابياً وفازوا معاً، لكنهم في الإستشارات النيابية الملزمة تفرّقوا وذهب كلّ واحد منهم في سبيله.
هذا الإنقسام والتشتت جعل صوت النوّاب السنّة في مجلس النوّاب الحالي منخفضاً، وكذلك صوتهم وكلمتهم في أيّ إستحقاق سياسي أو رئاسي.
إذ أنّه لا تتم إستشارتهم ولا أخذهم في الحسبان، إلّا عددياً، في أيّ تسوية تُطرح، ما جعل النوّاب السنّة على هامش الحياة السّياسية في لبنان لأوّل مرّة منذ نشأة الكيان قبل أكثر من قرن.
ما سبق من أسباب عن غياب السنّة وتفرّقهم وضعفهم في المعادلة السّياسية في لبنان حالياً، لا يعود إليهم فقط، ذلك أنّ غياب أيّ دعم خارجي لهم، شأنهم في ذلك شأن بقية الطوائف والقوى السّياسية الأخرى في لبنان، كما جرت العادة منذ ما قبل المتصرفية ولبنان الكبير وصولاً إلى اليوم، أضعف شوكتهم وتأثيرهم وتسبّب في تراجع دورهم ضمن المعادلة الداخلية.
هذا الدعم الخارجي للسنّة كان، تاريخياً، يأتيهم من مصادر مختلفة.
من مصر، وسوريا والسّعودية، إلى جانب دعم ضمن فترات وظروف معينة جاءهم من ليبيا والعراق ومنظمة التحرير، إلى أن أقتصر أغلب الدعم بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري في عام 2005 على السّعودية وحدها، التي جعلت زعامة السنّة في لبنان آحادية، منذ أيّام رفيق الحريري ولاحقاً مع نجله سعد، إلى أن فرضت، لأسباب مختلفة، على الحريري الإبن الإنسحاب نهائياً من المشهد السّياسي، هو وعائلته وتيّاره السّياسي المتمثل بتيّار المستقبل.
كلّ ذلك جعل السّاحة السنّية تغرق في فراغ لم تعمل السعودية على ملئه وتأمين بديل فيها، قبل أن تفرغها، ولا على مبادرة جهة أخرى لملء هذا الفراغ الذي رافقه تراجع في دور الطائفة "الأم"، وهو فراغٌ ليس واضحاً في الأفق القريب كيف يمكن أن يُملأ، ومن سيساعد خارجياً في ذلك، السّعودية أم غيرها، وما هي الظروف المناسبة لذلك، وهل سيكون عبر شخصيات جديدة أم بعد تعويم شخصيات قديمة، وهل أنّ المتغيّرات التي طرأت في لبنان والمنطقة مؤخّراً سيجعل إمكانية ملء هذا الفراغ بالسّهولة التي يتوقعها البعض، أم دونها عقبات ليس من الإمكان تجاوزها؟
أسئلة ما تزال تبحث عن أجوبة.