نداء الوطن: إفتتاح سوق خضار طرابلس: نموذجٌ لتجاوز التعطيل
أحمد الأيوبي«إحتفلت» بلدية طرابلس بافتتاح سوق الخضار الجديد في السقي الشمالي بعد أكثر من عقد ونيف على بنائه أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري وفق مواصفات عالية من النواحي الهندسية والفنية والإتقان ليكون من أكبر الأسواق في محيطنا العربي مساحة ودوراً ومكاناً، لكنّه بقي ممنوعاً من العمل حتى تاريخ 24 حزيران 2023 بعدما تعرّض للكثير من عمليات التخريب والنهب في تكامل بين التعطيل السياسي والتعطيل العصاباتي المتمادي إلى جميع مرافق طرابلس.
تعايش الطرابلسيون مع الحرمان وتعطيل المصالح العامة، وسوق الخضار الذي لم يعد حديثاً، نموذج لهذا التناتش بين أصحاب النفوذ حتى داخل التيار الواحد، كما كانت الحال بين الأمين العام لـ»تيار المستقبل» أحمد الحريري والنائب السابق محمد كبارة في الصراع على استثمار مرافق سوق الخضار منذ بداية إنشائه، وتوالت الأيام وتتابعت واستمرّ الصراع على السوق بأشكال مختلفة ومن تيارات متنافسة.
شكّل افتتاح سوق الخضار خرقاً غير متوقّع في التجميد المزمن والمقصود المسيطر على مرافق عاصمة الشمال ولم يعد مقتصراً على المرافق الكبرى مثل المعرض والمصفاة والمرفأ المحاصر بنوعية ما يستقبله من بضائع ذات مردود منخفض، بعد فشل محاولة تطويره بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت، رغم حاجة البلد إلى هذا التوسّع لتأمين العدالة في التوزيع وفتح المجال أمام زيادة عمل المرفأين معاً بدل واقع «الاحتكار» القائم للبضائع ذات المردود المالي العالي.
إمتدّ التعطيل إلى المرافق الأخرى فدخل الفندق الرئيس في طرابلس في حالة تعطيل منذ سنوات ولا يزال البحث جارياً عن دفتر شروط ضائع في أدراج وزارة الاقتصاد ولم يجده أحدٌ حتى الآن، في ظلّ تجاهل وصمت أغلب النواب وغياب رئاسة الحكومة عن المناشدات الاقتصادية لإعادة ترميم وتشغيل فندق معرض رشيد كرامي الدولي.
طرابلس بلا فندق. يعزِّز هذا الواقع أيضاً تعطيل الفندق القائم فوق مهنية الميناء (الفندقية) الرسمية، بينما يعمل أحد الفنادق الخاصة المملوك لرئيس الحكومة من دون أن يغطّي حاجة المدينة لفندق بمستوى متطلباتها السياحية والاقتصادية.
لا يزال الطرابلسيون ينتظرون إتمام وصلة «الأوتوستراد العربي» لجهة الميناء التي استخدمها الرئيس سعد الحريري في آخر انتخاباتٍ نيابية خاضها تياره في طرابلس لإتمام جزء منها باعتبار ذلك إنجازاً بعد أكثر من عشر سنوات من وصول هذا الأوتوستراد إلى نقطة الميناء ولا يزال مبتوراً وفي بعض أجزائه أطلالاً لا أمل بوصلها... بانتظار موسم انتخابيّ آخر.
وفي عودةٍ إلى إنجاز افتتاح سوق الخضار فإنّ مسيرة هذا السوق كانت طويلة وشاقة خاصة مع تصدّع مجلس البلدية في مراحل متعاقبة، واحتدام التنافس واستخدام التعطيل من بعض النواب ضد البعض الآخر، ووجود عراقيل قانونية ناتجة عن عدم إتمام نقل ملكية أرض السوق بالشكل الصحيح، فبذل رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس جهوداً متواصلة على مدى سنوات لدفع ملف السوق في الدوائر الرسمية، وأنجز شوطاً كبيراً لكنّه لم يلبث أن اصطدم بتعقيدات الواقع السياسي وتداعي مؤسسات الدولة في السنتين الأخيرتين.
بدأ الملفّ يتحرّك من جديد مع التوجّه الذي اعتمده قائد الجيش العماد جوزاف عون ومديرية المخابرات في تعزيز الأمن الاجتماعي والاقتصادي والتدخّل الفعّال لتحريك ما يمكن تحريكه من مرافق تنموية تخفِّف من الأزمة وتحسِّن بعض الظروف المعيشية والبيئية والصحية، وهذا ما باشره العميد نزيه البقاعي مدير مخابرات طرابلس والشمال بهدوء وتصميم وملاحقة حثيثة ومتابعة مع الجهات المعنية والسعي لتجاوز التصدّع في المجلس البلدي فتمكّن من احتواء كلّ العقبات ليُحدث مفاجأة لم يكن بعض النواب يتوقعها والأرجح أنّه لا يريدها، فانتقل قسم من تجار الخضار إلى السوق الجديد وباشروا بعد إتمام الإجراءات القانونية العمل الفوري بينما انتظر آخرون اتجاه البوصلة، لكنّ كفّة العمل رجحت وانطلق السوق لتطوى واحدة من أسوأ وأوقح صفحات التعطيل في طرابلس.
لا بدّ من التنويه أيضاً إلى أنّ وزير الداخلية بسام مولوي كان له جهد حاسم في إنهاء الجمود وأعطى هذا الملف أولوية خاصة وهو العارف بالألغام السياسية والمحلية التي تحيط بعمله في هذا المجال، غير أنّه تمكّن من تفكيكها للوصول إلى إنجاز يمكن البناء عليه للتوجه إلى غيره، وخاصة إعادة تشغيل فندق المعرض والانتقال إلى تفعيل المرافق الكبرى.