الديار _العلاقات اللبنانيّة –السوريّة: ملفات أمنيّة عالقة
31 أيار 2025

الديار _العلاقات اللبنانيّة –السوريّة: ملفات أمنيّة عالقة

ميشال نصر

يعد التعاون الامني بين لبنان وسوريا من اكثر الملفات حساسية وتعقيدا في العلاقة بين البلدين، نظرا للتداخل الجغرافي، والتاريخ السياسي المشحون، وتشابك المصالح الاقليمية. فلبنان وسوريا يتشاركان بحدود تمتد لاكثر من 375 كلم، ما يجعل التنسيق الامني ضرورة ميدانية في مجالات مكافحة الارهاب، ضبط المعابر غير الشرعية، وملاحقة شبكات التهريب والمطلوبين.

ومع ان التعاون الامني لم ينقطع كليا، حتى في اكثر الفترات السياسية توترا، الا انه غالبا ما تم ضمن اطر غير علنية، تحديدا منذ عام 2005، حيث خضع لتجاذبات داخلية لبنانية حول طبيعة العلاقة مع النظام في دمشق. وفي ظل استمرار التحديات الامنية المشتركة، يبقى هذا الملف محورا يتطلب مقاربة واقعية ومتوازنة، تضع مصلحة الدولة اللبنانية وامنها فوق الاعتبارات السياسية.

شكل وصول الادارة السورية الجديدة، ودخول واشنطن على خط دمشق، عبر فرضها مجموعة من المطالب والشروط، على النظام، من بينها "عدم الاعتداء على الجيران وتعريض امنهم للخطر"، تطورا نوعيا في العلاقات اللبنانية – السورية، طال اكثر من مجال من بينها، الامني، الذي يشكل ركيزة اساسية، حيث ثمة الكثير من الملفات "الدسمة" العالقة، وابرزها:

-ترسيم الحدود وضبطها: فالتداخل الحدودي في اكثر من نقطة وغياب الترسيم الرسمي سبب في الفترة الاخيرة في اندلاع اشتباكات، كما صعب من عملية ضبط الحدود والمعابر غير الشرعية.
وفي هذا الاطار علم ان لجنة مشتركة ستشكل لبحث الترسيم وانجازه، بعدما تسلم لبنان دفعة من الارشيف الفرنسي الخاص بالحدود بين البلدين، والذي سيساهم في حل الاشكالية بسرعة.
اما بالنسبة لمزارع شبعا، فان الامر يبقى مرتبطا باتفاق ثلاثي اسرائيلي - لبناني – سوري، وبالتسوية الاكبر في المنطقة، اذ ترى مصادر دبلوماسية ان الامر سيكون مرتبطا بالاتفاق النهائي بين الدول الثلاث، وحدود كل منهما.

وفيما خص الترسيم البحري، تكشف المصادر ان الامر مرتبط بانتهاء المفاوضات الروسية – السورية وحسم مصير الشركات التي تولت الامساك بالمنطقة الاقتصادية الخالصة السورية، ليصار بعد ذلك الى حل الخلاف مع لبنان، الذي يطالب باستعادة مئات الكيلومترات التي وضعت دمشق يدها عليها.

-ملف التهريب، والذي تم ضبطه بشكل كبير، اذ علم في هذا الاطار عن وجود مشروع بريطاني لاقامة سلسلة من ابراج المراقبة على الحدود، من الجانب السوري، تستكمل الشبكة التي بدأت من الجهة اللبنانية والتي يتوقع تعزيزها ببناء مجموعة جديدة من تلك الابراج وتجهيزها.

علما ان عمليات التهريب من الجهتين قد تراجعت بشكل لافت، رغم استمرار الخروقات، نتيجة عدة عوامل، اقتصادية وامنية، خصوصا بعد سقوط الشبكات المنظمة المشتركة، العاملة على الجهتين من الحدود، والتي كان لها نشاطات في مختلف المجالات من تجارة المخدرات والمنشطات الى تهريب البشر والاتجار بهم، وصولا الى التعاون مع شبكات أجنبية.

-ملف النازحين السوريين: والذي يشكل قنبلة موقوتة، في ظل التطورات الدراماتيكية التي يشهدها، وآخرها وقف المفوضية العليا للنازحين تقديماتها الصحية للنازحين المسجلين، مع ما يشكله ذلك من اعباء اضافية على الدولة اللبنانية، ومن خطر انتشار الاوبئة في البيئات الحاضنة لهذا الوجود.

ففي الوقت الذي تردد فيه عن قرب حصول زيارة لوزير الخارجية السورية، الى بيروت، لاطلاق عمل لجنة مشتركة مهمتها تنسيق وتامين عودة النازحين السوريين، في اطار خطة تحدثت عن "اعادة" 400 الف نازح، لا يزال لبنان يستقبل المزيد من النازحين من اتباع الاقليات، نتيجة المخاوف الامنية وعدم وجود ضمانات بعد الاحداث التي شهدتها منطقة الساحل السوري ومنطقة السويداء.
 

وفي هذا الاطار يشكل النازحون عامل عدم استقرار امني الى جانب الموضوع الاجتماعي، ذلك ان غالبية الشبكات والخلايا الارهابية، التي نشطت على الساحة اللبنانية خلال السنوات الماضية، سواء من داعش او النصرة، وجدت بيئة آمنة وملاذا داخل المخيمات السورية.

-ملف الموقوفين والمطلوبين بين البلدين: وهو يشكل مشكلة جدية، قد تحتاج لوقت طويل لمعالجتها لتشابك الامني والسياسي والقضائي فيها. وفي هذا الاطار، وبحسب ما اعلن مسؤولون سوريون فان مشكلة جزء كبير من المحكومين والموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، قد حلت وفقا للاتفاقيات القضائية المعمول بها بين البلدين، غير ان المعضلة تكمن في وضع اللبنانيين والسوريين الذين قاتلوا الى جانب جبهة النصرة، وحوكموا بقضايا ارهابية، وكذلك ببعض اللبنانيين المطلوبين للقضاء بجرائم ارهابية، وقد فروا الى سوريا، حيث تم تجنيسهم وتسليمهم وظائف قيادية في الاجهزة الامنية والعسكرية الجديدة.

وتحت هذا العنوان، تندرج ايضا مسالة الجماعات الفلسطينية المتطرفة الموجودة داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، والنازحون الفلسطينيون من المخيمات الفلسطينية في سوريا. وهنا ثمة من يتحدث عن دخول قيادات وعناصر فلسطينية من فصائل محسوبة على النظام السوري السابق الى لبنان، حيث استقرت بعد سقوط النظام في دمشق.

-التنسيق الامني بين الطرفين: والذي يشهد تطورا مع الوقت، خصوصا ان الاطر والآليات المنظمة التي وضعت له، قد اثبتت نجاحها في اكثر من محطة وحادثة، فرفع العقوبات الدولية عن سوريا والانفتاح العربي والدولي على دمشق، صب لصالح تفعيل عمليات التعاون الامني بين لبنان وسوريا.

فهل تنتقل العلاقة بين البلدين ومعهما التعاون بما فيه الامني الى مستوى جديد، بعيدا عن ترسبات الماضي بعد اقفال ملفاته؟

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen