المنية - الضنيّة: صراع نفوذ على النيابة... وحروب بين أبناء «المستقبل»
12 أيار 2025

المنية - الضنيّة: صراع نفوذ على النيابة... وحروب بين أبناء «المستقبل»

لينا فخر الدين

خاضت بلدات قضاء المنية - الضنيّة انتخابات بلدية واختيارية حامية، تجلّت في ارتفاع نسب الاقتراع. وفيما كانت غالبية هذه البلدات تتنافس عائلياً، برزت المعارك السياسية في مساقط رؤوس النواب الحاليين والسابقين، سعياً منهم لتثبيت وجودهم، قبل الانتخابات النيابيّة المقبلة. أمّا العلامة الأبرز، فكانت غياب تيار المستقبل عن الخزان السني، إذ ترك لمناصريه حرية الاختيار، ما أدّى إلى حرب شعواء بين أبناء البيت الواحد، كما حصل مثلاً بين النائب أحمد الخير والنائب السابق عثمان علم الدين، وهو ما ستكون له تبعات على «التيار الأزرق» في حال قرّر المُشاركة في الاستحقاق النيابي واختيار مرشحيه. وفتح هذا الغياب في العديد من المناطق الباب أمام المتموّلين ورجال الأعمال الحديثي الظهور لدعم اللوائح مادياً واستعراض نفوذهم المستجدّ، آملين في تحويله إلى نفوذ سياسي في مناطقهم


على مساحة تزيد على 400 كيلومتر، اقترع أهالي قضاء المنية - الضنية، لانتخاب 23 بلدية، بعد فوز 13 بالتزكية. توزّعت الصور واللافتات على طول الطريق من طرابلس إلى المنية، ومنها إلى الضنيّة، حيث ازدحمت الطرقات الجبليّة بسيارات المقترعين، في ظلّ حماسة ظاهرة، لتصل النسبة مع إقفال صناديق الاقتراع إلى 50.02%.

وكانت زحمة السيارات في الضنيّة قد بدأت بعد ظهر السبت، مع توافد أبنائها إلى بلداتهم التي تُعد «مصيف الشمال». وهو ما ظهر في الحركة التجاريّة الناشطة التي شهدتها المحالّ الصغيرة. وأثّر الازدحام على عددٍ من أقلام الاقتراع التي ارتفعت فيها نسبة التصويت، كبخعون والسفيرة والمنية التي وصلت فيها نسب الاقتراع إلى أكثر من 55%، ما أدّى إلى وقوع أكثر من إشكال على خلفية الازدحام.

وإذا كانت غالبية المعارك خيضت تحت مسمّيات عائلية، فإن السياسة كان لها وقعها، على اعتبار أن المعركة الحالية تُمهّد لحسم المرشحين إلى الانتخابات النيابية المقبلة، عبر تحديد أحجام الشخصيات السياسية، ولا سيما بعد انسحاب تيار المستقبل من المشهد للمرة الأولى. وهو ما أنتج صراعاً داخلياً بين المحسوبين عليه وحتّى مُنسّقيه ومسؤوليه.

بخعون: معركة جهاد الصمد التقليديّة

هذا الأمر تبدّى في بخعون، حيث خيضت «أمّ المعارك» بين لائحة يدعمها النائب جهاد الصمد وأخرى يدعمها النائبان السابقان قاسم عبد العزيز وعبد العزيز الصمد.

وفيما اعتبر ناشطون في البلدة أنّ المعركة تبدو مختلفة أمام جهاد، رغم امتلاكه «زوادة» من الخبرة الانتخابيّة الطويلة التي تمتد إلى عام 1998، بسبب المال الذي استخدمه عبد العزيز الصّمد وأشقاؤه من أجل استقطاب النّاخبين، إلّا أن جهاد عاد وحسمها لصالحه، وتمكّن من الفوز بجميع مقاعد المجلس البلدي.

وبذلك، ثبّت زعامته في البلدة بعد فوزه للمرّة الخامسة على التوالي بالبلديّة، ودعّم حضوره في النيابة لدورات متتالية، من دون أن يتمكّن «المستقبل»، في عزّ وجوده، من إلغائه. ويختلف الصّمد عن زملائه في المنطقة كونه يُعد في عيون أبناء بخعون والضنية زعامة تقليديّة تمتدّ إلى أيام والده، مرشد الصمد. وهو لا يفتح أبواب منزله في وقت الاستحقاقات فقط، وإنّما يُتابع شؤونهم في جميع المواسم.

جهاد الصّمد يفوز
للمرّة الخامسة وفتفت يستعيد بلديّة سير بعد نكستين متتاليتين


أمّا اللافت في انتخابات الأمس، فهو غياب «الماكينة الزرقاء» التي تعمل ضدّ الصمد في العادة، بل على العكس من ذلك، يُشير مراقبون للعملية الانتخابية إلى أن مسؤولين في «المستقبل» كانوا ينسّقون مع ماكينته الانتخابية، ويعملون لصالح اللائحة التي دعمها، لافتين إلى أن انقساماً جرى للمرة الأولى داخل منسّقية «المستقبل» بين مؤيدين للصمد ومُعارضين تاريخيين له، كمنسّق المنطقة هيثم الصّمد، الذي حاول في وقت سابقٍ إرساء التوافق داخل بخعون.

وبينما يؤكّد بعض «المستقبليين» أن هذا الانقسام مردّه إلى أسباب عائلية بعدما أعلن الرئيس سعد الحريري عزوفه عن المشاركة في الانتخابات البلدية، ما أتاح للمنسّقية ترك القرار للمناصرين والحزبيين باختيار من يجدونه مناسباً، فإن آخرين يرون فيه «غمزة»، ربطاً بانفتاح الصّمد على «المستقبل»، والعلاقة الممتازة التي تجمعه بالأمين العام للتيار أحمد الحريري.

مع العلم أن العلاقة المُستجدّة بين الطرفين لم تسفر عن توافق انتخابي، بعدما أصرّ النائبان السابقان على خوض معركتهما الخاصة. ويرى مراقبون أن تحالف عبد العزيز الصمد وقاسم عبد العزيز «ظرفي» لن يتكرر في الانتخابات النيابية، في ظلّ قانون يعتمد على الصوت التفضيلي، مُتحدّثين عن تساؤلات داخل ماكينة عبد العزيز حول مصلحة النائب السابق في «تعويم» زميله على عتبة الاستحقاق النيابي.

وأنتج ذلك عمليات تشطيب قادها مناصرو الطرفين، ضدّ بعضهم. وتردّد أن التشطيب مردّه أيضاً إلى ضرب النائبين السابقين بعرفٍ قائم، عبر تغييبهما لتمثيل تجمعات عائلية تقليدية، في مقابل تمسّك جهاد الصمد به خلال تشكيل اللائحة التي يدعمها.

عاصون: المال يعلو على السياسة

خيار «المستقبل» ترك القرار لمناصريه انسحب أيضاً على بلدة عاصون، إذ انضمّ الخصمان التقليديان، أسامة عبد القادر وعلي كنج، إلى لائحة واحدة تكون رئاستها مداورة بينهما، ما أدّى إلى تقارب بين المحسوبين على «المستقبل» والمؤيدين لجهاد الصمد، في وجه لائحة برئاسة مروان سليمان، بعدما اتّخذت المعركة طابعاً عائلياً.
وبينما تتحدّث ماكينة سليمان عن تدخل للصمد في البلدة التي يمتلك فيها شعبية وبعض المفاتيح الانتخابية، بينهم رؤساء بلدية سابقون، إلّا أن ماكينة اللائحة الأخرى تُؤكد أن الصمد لم يتدخل فيها، وإن كان يُحبّذ وصول المرشحين المقرّبين منه (لائحة عبد القادر - كنج)، وهو ما يقوله أيضاً المحسوبون عليه في البلدة.
في المقابل، تكثر أحاديث البلدة عن «فتِّ» أموال ورشاوى دُفعت على أبواب مراكز الاقتراع، لافتين إلى أن المال داخل بلدة صغيرة كعاصون، لا يتعدّى عدد مقترعيها 1500 ناخب، ولا تتعدّى ميزانيتها أربعة آلاف دولار، هو «أمر مستغرب ويدل على حملةٍ مريبة تحصل في عدد من القرى في الضنية وعكار». ويقول هؤلاء إن رجل الأعمال سامر حدّارة (من البقاع) يقوم بتمويل لائحة سليمان باعتباره مقرّباً منه، إضافةً إلى أموال تُدفع من قبل المغترب من البلدة، عبد الرحمن سعد الدين. ويتناقل أهالي البلدة أنباء عن تغطية نفقات عودة المغتربين إلى لبنان.
يشار إلى أن السيارات ازدحمت داخل عاصون منذ ساعات الصباح، ووصلت نسبة الاقتراع إلى نحو 50%.

سير الضنية: فتفت ضد فتفت

وفي السياق نفسه، لم يؤثّر انكفاء «المستقبل» على النائب السابق أحمد فتفت ونجله سامي اللذين استعادا المجلس البلدي بعد 15 عاماً، إثر خسارتين متتاليتين أمام رئيس البلدية أحمد العلم. واستغلّ فتفت عزوف العلم عن الترشّح فتمكّن من استمالة «الريس» الذي يُعد خصمه التاريخي في البلدة، ليتشاركا معاً في دعم لائحة «نبض الضنية» برئاسة سامر دياب هوشر.


وأثبت فتفت حضوره من جديد في البلدة لتكون البلدية باباً يدخل منه إلى الانتخابات النيابيّة، بعدما تردّد عن تراجع حضوره في سير.

في المقابل، لا يعترف خصوم النائب السابق بفوزه، لافتين إلى أنّ الأخير صاغ «مؤامرة إيهامهم بالتوافق» على مدى الأسابيع الماضية، ولم يتح لهم العمل جدياً إلا في الأسبوع الأخير حينما عمدوا إلى تشكيل اللائحة.

كما أنّهم يعتبرون أنّ فتفت لم يفز على خصومه وإنّما على حلفائه، ما سيرتد عليه في الانتخابات النيابية المقبلة، مُذكّرين بأن أعضاء اللائحة المنافسة التي كان يرأسها بالمداورة مصطفى درباس وأحمد فتفت، هم من المقرّبين منه، وقد «انقلب» عليه درباس المحسوب عليه بسبب «خديعة التوافق» على حدّ تعبيرهم، متحدّثين عن انقسام عائلي أدّى إلى ترشيح قريبه الذي يحمل اسمه، أحمد فتفت.

وشهدت سير أمس أجواء تنافسية حامية بين المقترعين والماكينات الانتخابية، في ظلّ زحمة خانقة في مراكز الاقتراع، مُسجلّةً اقتراع نحو 3 آلاف من أصل نحو 7 آلاف ناخب.

السفيرة

حدّة المنافسة ظهرت أيضاً في السفيرة، والتي تجلّت في توقف العملية الانتخابية لبعض الوقت بعد وقوع إشكال في أحد أقلام الاقتراع، قبل أن تتدخل القوى الأمنية. وبلغ عدد المقترعين نحو 4 آلاف من أصل 7 آلاف ناخب، علماً أن المعركة كانت عائلية بامتياز، وإن كانت قد تحوّلت إلى صراع نفوذ بين نجل القيادي السابق في الجماعة الإسلامية براء أسعد هرموش، وقريبه المرشح السابق إلى الانتخابات النيابية على لائحة النائب أشرف ريفي – «القوات اللبنانية».

ونجح براء هرموش في سحب البساط من تحت رجلَي قريبه، بعدما أظهرت النتائج تقدّماً بأكثر من 300 صوت لصالح «لائحة القرار» التي يرأسها مداورةً أحمد اليخني وأحمد عقبة الآغا، وخسارة لائحة «لأجل السفيرة» برئاسة زكريا حسون وخالد هرموش.

كفرحبو: اختلط الحابل بالنابل

أمّا في بلدات الضنية المسيحية، حيث انسحب تحالف بين التيار الوطني الحر وتيار المردة، في وجه تحالف «القوات اللبنانية» مع حزب الكتائب، فكانت الأجواء أقل حدّة. وهو ما ظهر أمس في بلدة كفرحبو، أكبر البلدات المسيحية في المنطقة، التي تحضر فيها جميع الأحزاب، وضمناً حزب الوطنيين الأحرار الذي ترتفع أعلامه إلى جانب رايات الجماعة الإسلامية!

اختلاط الحابل بالنابل انعكس أيضاً على الانتخابات البلدية، بين لائحتي إيلي صوان وبهاء بيطار من جهة ولائحة سرحان سرحان وإدغار بيطار من جهة ثانية، إذ يُؤكّد أهالي البلدة أن المعركة عائلية لوجود مقرّبين من جميع الأحزاب على اللائحتين، رافضين تصويرها على أنها معركة سياسية.
ورغم قلّة عدد المقترعين الذي لم يتعدّ 1500، إلّا أن التشطيب كان سيّد الموقف، بعدما باتت كل عائلة تُصوّت لصالح مرشحيها، على حدّ تعبير مسؤولي الماكينات، وهو ما أَخّر النتائج.

 

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen