ماذا لو نُزع سلاح المقاومة..!؟
19 نيسان 2025

ماذا لو نُزع سلاح المقاومة..!؟

كتَبَ المُحرّر

نَزع سلاح المقاومة حُلم يُراود قلّة من اللبنانيين منذ انطلاقة العمل الفدائي الفلسطيني في جنوب لبنان ضد "إسرائيل" في العام 1968. وفي العام التالي جاء "اتفاق القاهرة" ليسمح للدولة اللبنانية بتأمين كل الطرق للمشاركين في الثورة الفلسطينية انطلاقًا من الجنوب. لكن هناك من بقي يعارض هذه الاتفاق حتى تمّ الغاؤه بضغط إسرائيلي بعد التصويت عليه في مجلس النواب خلال عهد الرئيس أمين الجميل عام 1987. 

سيناريو نَزع السلاح هذا ظل قائمًا حتى حصل اتفاق الطائف عام 1989، حيث تضمّن بندًا يطلب فيه من كافة الميلشيات اللبنانية والفلسطينية تسليم سلاحها للحكومة اللبنانية خلال ستة أشهر واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي. 

وهنا بدأ التساؤل عن كيفية تحرير لبنان لأرضه، هل عبر جيشه الضعيف وحده الذي لا يمتلك الإمكانيات الكافية؟، أو من خلاله وبمساندة المقاومة الشعبية له ؟، أو من خلال المقاومة وحدها التي تتخذ من حرب العصابات أسلوبًا لها في قتال العدو الذي يتمتع بإمكانات عسكرية هائلة؟.
هذه التساؤلات، حسمتها الحكومات اللبنانية في بياناتها الوزارية منذ ما قبل الطائف، حيث أكد بيان حكومة الرئيس رشيد كرامي عام 1984 على ضرورة توحيد الصفوف في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وبعد الطائف، عزّزت هذه البيانات حضور المقاومة، بدءاً من حكومة سليم الحص عام 1989، حيث نص بيانها الوزاري على "دعم المقاومة كوسيلة أساسية لتحرير الجنوب والبقاع الغربي"، وهو ما تكرر في حكومات عمر كرامي ورشيد الصلح ورفيق الحريري المتعاقبة. واستمر التوجه ذاته حتى العام 2000، حين انسحبت "إسرائيل" من جنوب لبنان، ما مثّل منعطفاً في تناول المقاومة ضمن البيانات الوزارية. 
فبينما كانت حكومة الحريري عام 1995 تتحدث عن "حق لبنان في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة"، بدأت حكومات ما بعد 2005 باستخدام تعبير "حق الشعب اللبناني في المقاومة"، في تحول يعكس تطورات المشهد السياسي. وفي حكومات فؤاد السنيورة وسعد الحريري بين 2005 و2019، بدأت الصياغة تتحول من دعم مباشر للمقاومة إلى التأكيد على "حق الشعب والجيش والمقاومة في الدفاع عن لبنان"، وهذا كان بفضل انتصار المقاومة في حرب تموز 2006 على العدو.
وبالفعل أثبتت التجارب على مرّ العقود الماضية أن المقاومة استطاعت أن تقف في وجه اعتداءات العدو وتوجه له ضربات مؤلمة أجبرته على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 مذلولاً مقهورًا، وألحقت به الهزيمة خلال عدوان تموز 2006. وهذا طبعًا لم يعجب أعداء المقاومة، إذ ظلّوا في غالبيتهم يخفون حقدهم الدفين على المقاومة وأهلها، حتى بدأت تتكشف نواياهم بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، إذ انقسم الشعب اللبناني بين من يريد حل مسألة المقاومة جذريًا بتسليم سلاحها ورفع الغطاء عنها محليًا ودوليًا، وبين من يطالب بوضع السلاح ضمن استراتيجية دفاعية تحمي لبنان.
بقيت الأمور عالقة هكذا، حتى جاء العدوان الإسرائيلي على لبنان في أيلول 2024، وبدأت معه الأنياب المسعورة تظهر عند خصوم المقاومة وتأمرها بتسليم سلاحها ضمن مهلة زمنية قصيرة، وبدأ حزبي القوات اللبنانية والكتائب ومن يدور في فلكهما، يتعاطون مع المقاومة أنها هزمت، وأن ناسها باتوا في وضع ميؤوس من أمرهم بعدما ارتقى أبناؤهم شهداء ودمرت منازلهم واحترقت أرزاقهم، وهم يدافعون عن أرضهم وينصرون أطفال ونساء غزة بعد المذابح التي تعرضوا لها. ويعكس أداؤهم كما لو أنهم في سباق مع الوقت لإلحاق لبنان بالمحور الأميركي - الإسرائيلي بشكل تام ونهائي.
لكن ما لم تكن تعرفه هذه الفئة القليلة من أدوات المشروع الأميركي الصهيوني في لبنان، أنه رغم الحرب الكونية التي شنّت على المقاومة، فإنها لم تهزم ورجالها ظلوا حتى آخر يوم يدافعون عن قراهم ويلحقون بالعدو الخسائر، وأن أهلها ما زالوا متمسكين بها أكثر من أي وقت مضى، ومن الصعب عليهم القبول بأي مساومات على السلاح.
كما أنه من الخطأ أن يفكّر البعض أن حزب الله في وارد تسليم سلاحه أيًا تكن الأسباب، إلا ضمن استراتيجية دفاعية وطنية تضمن له درء خطر الاعتداءات الإسرائيلية. 
وما يؤكد نظرية المقاومة في عدم المساومة على سلاحها أن الأميركي ليس في وارد تسليح الجيش اللبناني، إذ تبيّن أنه بعد ثلاثة أسابيع على إعلان وقف إطلاق النار في الجنوب، بدأت قيادة الجيش اللبناني إصدار بيانات دورية تنبّه المواطنين إلى أن الجيش سيقوم بتفجير ذخائر غير منفجرة في عدد من النقاط الجنوبية، وتبين لاحقًا أنها أسلحة وذخائر حصل عليها من المقاومة في مناطق جنوب نهر الليطاني. والسؤال هنا لماذا أمر الأميركي بتلفها وعدم إعطائها له؟.
يجب على جميع اللبنانيين أن يعلموا أن المقاومة لو سلّمت سلاحها لأنقض العدو الإسرائيلي على لبنان في اليوم الثاني، وما يحصل في الضفة الغربية خير دليل على ذلك. كما وجب عليهم أن يعلموا أن المقاومة اكتسبت شرعيتها المطلقة من الدستور والمواثيق والقرارات الدولية التي ترفض الاحتلال والعدوان، ناهيك عن الشرعية الشعبية المستندة إلى الأدلة العقلية البديهية بضرورة مجابهة أي احتلال أو عدوان على لبنان.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen