الديار _ عون يُبدّد الالتباس: لا إعمار بلا إصلاح… وتسليم السلاح بالحوار لا بالإملاء
دوللي بشعلانيوضع رئيس الجمهورية جوزاف عون النقاط على حروف قضايا عديدة، تثير بعض اللغط والتناقض على الساحة اللبنانية، خلال حديثه التلفزيوني الأخير عشية زيارته الى قطر، لا سيما في ما يتعلّق بمسألة ربط إعادة إعمار لبنان بنزع سلاح حزب الله والمجموعات الفلسطينية المسلّحة داخل وخارج المخيمات، إذ أكّد على أنّ "التركيز الدولي من أجل المساهمة في إعادة الإعمار، كان على الإصلاحات الاقتصادية أكثر من موضوع السلاح". الأمر الذي حسم الجدال الداخلي القائم على رغبة البعض في نزع سلاح حزب الله أولاً من دون حوار، إنّما من خلال تطبيق ما تنصّ عليه القرارات الدولية ذات الصلة، لا سيما القرار 1701، وما يتضمّنه من قرارات سابقة مثل القرارين 1559 و1680.
وحصر قصر بعبدا مسألة نزع سلاح حزب الله والفصائل الفلسطينية بالحوار الثنائي، على ما تقول مصادر سياسية مطّلعة، بين الرئيس عون وممثلين عن حزب الله كما عن الفصائل الفلسطينية، كون بعض القوى السياسية رفضت تلبية الدعوة الى الحوار- قبل أن تُقدم عليها رئاسة الجمهورية - على ما كان عليه في العهود السابقة على الاستراتيجية الدفاعية الوطنية، مطالبة بتطبيق القرارات الدولية من دون الذهاب الى أي نقاش. في حين ارتأى الرئيس عون أنّ مثل هذه المسألة المهمّة تحتاج الى حوار بين بعبدا وحارة حريك، للاتفاق على كيفية وآلية نزع سلاح الحزب، سيما أنّ الحزب هو أحد الأطراف الأساسية في الدولة اللبنانية، وهو مشارك في الحياة السياسية وسيبقى. فضلاً عن الحوار بين بعبدا والجانب الفلسطيني، الذي يستضيفه لبنان منذ العام 1948، لا سيما الفصائل المسلّحة ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ويتطلّب الأمر بالتالي، أن يضغط المجتمع الدولي في الوقت نفسه، على ما أضافت المصادر، على "إسرائيل" لتُطبّق انسحابها من جميع الأراضي اللبنانية، وتنفّذ اتفاق وقف إطلاق النار بالتوازي، إذ لا يجوز أن يلتزم لبنان بالاتفاق ويُطبّق كلّ ما هو مطلوب منه في القرارات الدولية، ولا سيما القرار 1701، في حين تُعيق "إسرائيل" عمل الجيش اللبناني من خلال احتلالها للمواقع والقرى الحدودية، ومن دون حلّ الخلافات على النقاط الـ 13 المتنازع عليها، وبقاء قوّاتها بالتالي في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر. وأفادت المعلومات أنّ هذه الأخيرة كانت جزءاً من المحادثات التي أجراها أخيراً رئيس الحكومة نوّاف سلام مع الرئيس أحمد الشرع في دمشق، ما سيجعلها توضع قريباً على طريق النقاش لإيجاد الحلّ لها.
وأهمّ ما أوضحه الرئيس عون، على ما تلفت المصادر، هو أنّ المجتمع الدولي، ومن ضمنه الولايات المتحدة الأميركية، لا يربط مسألة تأمين التمويل لإعادة إعمار الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، بنزع سلاح المقاومة، بقدر ما يودّ أن يُطبّق لبنان الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة منه أولاً. وهذا الأمر يعني أنّ فرنسا ستدعو قريباً الى المؤتمر الدولي الذي تُحضّره لدعم لبنان من أجل إعادة إعماره، خصوصاً بعد إنجاز عملية الإصلاح المطلوبة، من خلال إقرار قانون السريّة المصرفية، والتعيينات القضائية والعسكرية والإدارية، الى جانب التشكيلات الديبلوماسية الموضوعة على نار حامية.
وبعد تطبيق هذه الإصلاحات، ولا سيما الاقتصادية منها، وتأمين نظام مصرفي موثوق به مجدّداً، فإنّ هذا الأمر سيجلب الدعم المالي الدولي لإعادة الإعمار. علماً بأنّ التقييمات الجديدة غير النهائية للبنك الدولي للأضرار والخسائر قُدّرت بأكثر من 14 مليار دولار. ويتطلّب الأمر تأسيس صندوق من أجل أموال إعادة الإعمار على أن يترافق ذلك مع إصلاحات تُظهر الشفافية في استخدام هذه الأموال. ولكن في المقابل على "إسرائيل" تطبيق انسحابها من الأراضي اللبنانية ومن المواقع الحدودية، لكي يستعيد لبنان سيطرته على سيادته بشكل كامل، من خلال استكمار عملية انتشار الجيش اللبناني في الجنوب، الأمر الذي يُسهّل مجيء الاستثمارات وأموال إعادة الإعمار.
من هنا، فإنّ الوقت المناسب لنزع سلاح المقاومة، سيتم تحديده من قبل بعبدا وحارة حريك، بعيداً عن آراء ومواقف القوى السياسية الأخرى التي تُعطي مقترحاتها في هذا الإطار، وخصوصاً أنّ عون قد وعد واشنطن والسعودية، وقطر حالياً، بأنّ الإصلاحات الاقتصادية والمالية تسير على السكّة الصحيحة، وأنّ نزع السلاح واحتكار السلاح بيد الدولة اللبنانية، لا بدّ وأن يتزامن مع انسحاب "إسرائيل" من لبنان، ومن ثمّ العمل على ترسيم الحدود البريّة والعودة الى اتفاقية الهدنة الموقّعة في العام 1949.
في المقابل، أبدى الحزب جهوزيته لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية مع قصر بعبدا، على ما أكّدت المصادر، سيما أنّه دعا في فترات سابقة الى الحوار حول هذا الموضوع، لا سيما على لسان الأمين العام السابق له السيّد حسن نصرالله. وهو اليوم بات حاضراً لتنفيذ ما سبق وأن تحدّث عنه، وهو موافق على النقاش حول سلاحه، لإيجاد الآلية المناسبة لتسليم الجيش اللبناني مسؤولية بسط سيطرته في جنوب الليطاني وشماله، بعيداً عن القوّة إنّما بالحوار الثنائي، والذي قد يُصبح ثلاثياً أو رباعياً بالتوافق بين بعبدا وحارة حريك، ومن ثمّ مع رئيس مجلس النّواب نبيه برّي وسلام.
والأمر نفسه سيُطبّق بالتالي على الفصائل الفلسطينية، لنزع السلاح الفلسطيني من داخل وخارج المخيمات، واستلام الجيش اللبناني كلّ المواقع التي تتطلّب وجود السلاح للحفاظ على الأمن والهدوء، وبسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. ومن الطبيعي أن تتمّ دعوة ممثلي هذه الفصائل الى قصر بعبدا، لمناقشة آلية نزع سلاحها، كما مع منظمة التحرير الفلسطينية، للاتفاق على سحب هذا السلاح المنتشر في 13 مخيماً فلسطينياً في لبنان وأكثر من 144 مجمّعاً سكنياً موزّعاً على الأراضي اللبنانية.
وبناء عليه، فإنّ الخطوات الإصلاحية الأساسية ستتواصل من قبل الدولة اللبنانية وحكومة سلام، وثمّة نيّة لتسريع هذه الخطوات ليتمّ إنجازها في أقلّ من ثلاثة أشهر، على ما أشارت المصادر، ليتمّ الحوار على مسألة نزع سلاح حزب الله والفصائل الفلسطينية، بالتزامن مع تطبيق الإصلاحات، من دون أن يتمّ تحديد جدول زمني لذلك، كونه سيُبنى على الشيء مقتضاه فور بدء هذا الحوار.