لهذه الاسباب المقاومة لم تهزم وناسها متمسكون بها 
11 آذار 2025

لهذه الاسباب المقاومة لم تهزم وناسها متمسكون بها 

كتَبَ المُحرّر

كثيرًا ما تطالعك خلال الفترة التي أعقبت العدوان الإسرائيلي البربري الأخير على لبنان، أخبار تنشر في الصحف والمجلات وعلى الشاشات والمواقع الإلكترونية، بطريقة ممنهجة وموجّهة، تُروّج لفكرة أنّ المقاومة هُزمت وناسها انفضّوا من حولها، بسبب ما تعرضت له من تصفية لقادتها وتدمير لقدراتها القتالية.

هذه الحملة التي تُدار بأساليب مُبتكرة من أعداء المقاومة في الخارج والداخل، هدفها النيل من عزيمة المقاومة عبر زعزعة ثقة جمهورها بها كي يتخلى عنها، وتصبح عندئذٍ دون حاضنة شعبية تحميها.
ولتكريس هذا الواقع المستجد، بدأ "اتباع الوصاية" من اللبنانيين، كما باتوا يعرفون، بإطلاق اشاعات وشائعات يسوّق لها ليل نهار لفكرة أن هناك خلافات تعصف بحزب الله، وأن المقاومة هُزمت وعُزلت وبيئتها تخلت عنها بعدما أصابها الوهن والضعف، واعتبروا أن الدمار الذي ألحقه العدو هو معنى الهزيمة. وتطوّعوا لشن حملة ضد إيواء النازحين وترميم بيوتهم وإعمار قراهم. 

أولى هذه الأساليب انطلقت مع بداية الحرب، أثناء الهجوم البري لقوات العدو الإسرائيلي في الجنوب.
حيث حاولت "إسرائيل" قلب حقائق المعركة لصالحها، من خلال التكتم على خسائرها، كي لا تعطي المقاومة أي انجاز عسكري يذكر.
ومن أجل ذلك سخّرت كل إمكاناتها، فارضة على وسائل إعلامها التعمية المطلقة عما يجري في الميدان.
وأوعزت لأقلامها وأبواقها المأجورة في الداخل الاكتفاء بذكر عدد الشهداء من المدنيين والمقاومين وأماكن قصف المنازل، متجاهلة الملاحم البطولية التي يسطرها رجال المقاومة في قرى الحافية الأمامية.
لكن مهما تكتّموا، ستتكشف يومًا بعد يوم خسائر العدو، وسيفضحه ضباطه وجنوده ويروون العجائب عمّا حلّ بهم.

مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني 2024، عمل "اتباع الوصاية" أو "أعداء المقاومة"، وبتوجيهات من خلف الصحاري والبحار الى استفزاز بيئة المقاومة وناسها، تارة بالتشفي منها وتأكيد هزيمتها، وتارة أخرى بتحديها واستعدائها وممارسة كل أنواع الضغط والاستفزاز بحقها، وربط تسليم سلاحها بإعادة إعمار بيوتها والتهكم على شهدائها، وطورًا باعتماد سياسة الحقد والاقصاء التي تتماهى مع أهداف العدو.

هذا النهج الاستفزازي أخذ يظهر في مناسبات ومؤتمرات صحافية ومقالات وتصريحات ومقابلات، من أجل دفع المقاومة وجمهورها الى تحركات أو احتجاجات تنتج توترات أو فتن داخلية تهدف الى توريطها والنيل منها على الصعيد الوطني، وذلك لم يصب في المصلحة الوطنية العليا.
وهنا يجب على الرئيسين جوزف عون ونواف سلام وأركان الحكم، تدارك الأمور قبل أن تفلت من عقالها والمبادرة إلى وضع إطار لحماية السلم الأهلي، إذ إن الانفجار في حال حصوله، لن تنفع معه التحليلات والتبريرات، ولا كل بيانات الدعم الخارجية.

ومن دون أن تحوّل المقاومة ذلك النهج الى سجال مع خصومها، وطوال ثلاثة أشهر ونصف، كانت قيادتها تمارس أعلى درجات الصّبر والتّحمل، عملت مع الناس على لملمة ما أمكن من جراح، وباشرت في أكبر عملية دعم للإيواء والترميم، وصرفت مئات ملايين الدولارات على أصحاب الحق، وثبّتت التزام قواعدها بالموقف العام، فلا استفزاز ولا ردّ على استفزاز. 

لكن على أهل الحكم أن يدركوا أن مستوى الانضباط لدى قواعد المقاومة وناسها، وعدم الذهاب نحو خيار التصادم، إنما هو انعكاس لقرار مركزي، بينما ستصبح الأمور أكثر صعوبة بطريقة لا تعود قيادة المقاومة قادرة على ضبطها، عندما تشعر هذه البيئة المجروحة والمتألمة على فقدان قادتها وأحبتها، والتي تشكل ثلث الشعب اللبناني، بأن هناك من يريد إذلالها والنيل من كرامتها.

والأهم من ذلك، أن أوصياء الخارج طلبوا من أتباعهم، المزيد من خطوات الحصار على المقاومة، من خلال منعها من استقدام الأموال لعملية إعادة الإعمار، وتعزيز الإجراءات التي تعرقل وصولها من إيران أو العراق، والشروع في خطوات تهدف إلى محاصرة "دورة العمل المالية" الخاصة بها داخلياً.

وما قرار منع حط الطائرات الإيرانية في مطار بيروت إلا لتأليب بيئة المقاومة عليها لعدم التزامها بالإعمار، وبالتالي ثني الناس لاحقًا عن التصويت لنواب المقاومة وحلفائها في الانتخابات النيابية القادمة.


لكنّ الأخطر كما تشير مداولات "أتباع الوصاية"، يتعلق بالتحضير لإطلاق حملة سياسية مبّكرة تهدف إلى خلق مزاج عام، يعتبر المقاومة مصدر خطر على مستقبل لبنان وازدهاره، من خلال رفع شعار "نزع السلاح لضمان رفع الحصار"، وذلك بالتزامن مع محاولة بناء تحالف سياسي يجمع كل القوى والشخصيات الخاضعة للوصاية الأميركية - السعودية، تمهيداً لخوض الانتخابات البلدية ثم النيابية، بغية تحقيق نتائج تظهر المقاومة عاجزة عن الاحتفاظ بتمثيلها الحالي، بلدياً ونيابياً.
وبهذا تصبح البلاد تُدار من صبية لا توصيف لهم سوى "سفهاءُ القومِ حُكّامهم".
هذا الصّنف الماكر من اللبنانيين، وعلى قلة فهمه وادراكه للأمور، ورغم كل مكائده، لا يقيس الأمور إلا على شاكلته، إذ تناسى أن المقاومة ولدت من رحم بيئتها بعدما أمعن الاحتلال الإسرائيلي في قتل المواطنين وتهجيرهم من قراهم على مرّ السنين، وأنها هي من أعادتهم الى أرضهم وبيوتهم بفضل دماء شهدائها، لذلك أصبحت لديهم مطلبًا شعبيًا، ترى في ناسها حضنهم الدافئ، ويرون فيها حمايتهم وقوتهم. 

ومن لم يفهم أن المقاومة لم تُهزم، وأن ناسها لم ينفضّوا من حولها، كان يحتاج إلى مشاهد يوم إعلان وقف إطلاق النار، عندما قام أهل الجنوب بالسير قُدماً نحو قُراهم لينتزعوا سيادة أرضهم بعشرات الشهداء ومئات الجرحى، ويوم خرجت الحشود المليونية لتشييع الشهيدين القائدين السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين من دون أن يحصل أي اشكال بسيط، ما يؤكد أن جمهور المقاومة ما زال في منتهى تضحياته وانضباطه.

وأن بيئتها وجمهورها وحضورها ونفوذها وقوتها كلهم بخير، وأنها قادرة على مواجهة كل من يعمل على ضربها سواء في الداخل أو في الخارج.

يا "خصوم المقاومة" اعلموا أن هذه الفئة القليلة من الناس التي تعرّضت لأقسى حرب لم يجرّبها أحد واستشهد فيها أغلى القادة وأعز الناس، وتحولت بيوتها إلى ركام، هي من كانت تشتري السلاح للمقاومة، ولم تنتظر منها يومًا أن تعمّر لها بيوتًا.. ناسٌ كُثر قدموا لها الدّواب والبِغال كي تنقل السلاح من وادٍ الى واد، وكثيرون آووا المقاومين في بيوتهم لأيام قبل أن ينطلقوا لتنفيذ العمليات ضد المحتل، وآخرون باعوا جزءًا من محاصيلهم وجواريهم، وبعض العجائز والأرامل باعت بيض دجاجها وحليب ابقارها، واعطوها المال كي تبقى.. هذا الشعب المقاوم العظيم أكبر من تنال منه مكائدكم القذرة. إياكم أن تخطئوا الحسابات!.
 

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen