23 عامًا على تحرير الأرض ولم يتم تحرير القرار السياسي بعد
كتبت زكية رشيديفي الأمس القريب، وجراء الإنتهاكات المتكررة للعدو في "تلال كفرشوبا" المحتلة، تجسدت وتجددت أبهى مشهدية لمواطن لبناني أعزل متسلح بعقيدةٍ ملؤها اليقين بالحق والنصر، قاوم بعنفوان، رافضًا التسليم والتفريط بتراب وطنه، هذا النصر ما هو إلا جولة في معركة التحرير الكامل لكل الأراضي اللبنانية.
شاء القدر أن يكون هذا الحدث بعد أيام قليلة على إحتفال لبنان بذكرى انسحاب العدو الاسرائيلي من الأراضي اللبنانية، بعدما عانى سنواتٍ عجاف من الإحتلال المليئة بالقهر والتسلّط، سنوات الصمود المليئة بالتضحيات والتفاني والعطاء والشهادة، ستظلّ سنوات أليمة، وحيّةً في ذاكرة الشعب اللبناني.
في أيار من العام ،2000 أعلن رئيس وزراء العدو حينها إيهود باراك إنسحاب قوات العدو العسكرية من كافة القرى اللبنانية الجنوبية، والتي تم إحتلالها منذ العام 1978.
إكتمل هذا الإنسحاب التام والكامل في الجزء الأكبر من الأراضي اللبنانية -بإستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا- لقوات العدو في ليل 24 – 25 أيار، وبزغ فجر التحرير في 25 أيار 2000، هذا الفجر الذي تنفس فيه اللبنانيون حريةً وسيادةً وكرامة، فجرًا إنتهت فيه قصصٌ مريرة للبنانيين من عمليات أسرٍ وتعذيب يشهد عليها معتقل الخيام وغيرها.
هذا التاريخ الذي خطّته دماء لبنانية ذكيّة بأحرف من العزّ والعنفوان، هذا التاريخ الذي سيبقى خالدًا وشاهدًا على مجدٍ ونصرٍ لبنانيّ في مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي الذي لم ينتهِ بعد، هو ليس حدثًا عاديًا إنما حدثٌ محفور في ذاكرة شعبٍ ذاق الأمرين نتيجة الحروب التي أنهكته، حيث خاض معركة وجودية مع كيانٍ غاصب وإنتصر، وأُسقطت خلاله مقولة "الجيش الذي لا يُقهر"، وكُسرت لغة "البلدوزر" الإعلامي والسياسي الكبير، وهزّت عرشًا واهنًا متغطرسًا لا يعرف سوى التكلم والتعاطي بلغة الدم والقتل والتهديد، وإغتصاب الأرض، يحاول مرارًا وتكرارًا أن يرتوي من دماء أصحاب الحق والأرض، ولكن عبثًا أن يكتفي.
بعد مرور 23 عامًا من تحرير الأرض، لبنان اليوم بحاجة إلى تحرير من نوع آخر لاستكمال بناء وطن، هو اليوم بحاجة إلى تحرير قراره السياسي من قيود التعنت والكيد السياسي، التحرر من عقلية الطائفية البغيضة، والمحاصصة، بحاجةٍ للإنفتاح على الآخر والتعالي على المصالح الفئوية، ومحاربة تلك الأصوات المنادية بالتقسيم والفدرلة التي لا تنفك تقدم تصورًا على أنها خلاص لبنان من مرض الطائفية من خلال تزييف الواقع السياسي، وإذا كانت بالفعل هي الخلاص فكيف السبيل لمحو هذه الطائفية من النفوس والعقول، ألا يكفي لبنان تقسيمات حتى بات البعض يفتش في الزوايا الصغيرة لتفتيته إلى فدراليات .
إن تحرير القرار السياسي لا بدّ له أن ينعكس إيجابًا على كل الأفرقاء اللبنانيين، أولها الإتفاق على إنتخاب رئيسٍ للبلاد، ومن ثُمّ تشكيل حكومة للإنطلاق بمسيرة بناء دولة المواطنة، ليتمكن أبناؤه من العيش في مجتمع تتوفر فيه شبكة أمان إجتماعية، سياسية، تربوية، صحية ... ولو بدرجة مقبولة، بعد أن أنهكتهم هذه الأزمات بمختلف أوجهها أكانت على الصعيد المالي، الإقتصادي، الإجتماعي، الصحي، التربوي والسياسي ... وغيرها.
ما يريده لبنان اليوم من جميع أبناءه، تضحيات وطنية بحجم تضحيات شهدائه وصلابة أبناءه في مقاومة الإحتلال، الذين صنعوا التحرير لبسط سيادة سلطة الدولة اللبنانية على الأراضي التي تم إحتلالها، بعد أن مشى هذا الوطن -ولا زال- مطولًا على درب الآلام.