المعارضة وفرنجية وأزعور وحجّة التمثيل السّاقطة
عبد الكافي الصمدرفعت قوى المعارضة في وجه رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، منذ اليوم الأوّل لترشيحه لرئاسة الجمهورية ودعم حلفائه له، حجّة أن الزعيم الزغرتاوي لا يمثل حيثية مسيحية معتبرة يمكن الإرتكاز عليها، مقارنة بمكونات مسيحية أخرى كالتيّار الوطني الحرّ والقوّات اللبنانية، وحتّى حزب الكتائب، إستناداً إلى نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة التي كشفت، برأيهم، ضعفاً في تمثيل فرنجية وتيّاره للشّارع المسيحي.
لكنّ "خطيئة" ضعف التمثيل التي استخدمتها قوى المعارضة ذريعة للإعتراض على فرنجية، محاولين ما أمكنهم "إختراع" ما أمكنهم من ذرائع لقطع الطريق عليه أمام وصوله إلى قصر بعبدا، سرعان ما ارتكبوا أشنع منها، عندما تبنّوا ترشيح وزير المالية السّابق جهاد أزعور مرشحاً لهم للرئاسة الأولى، ما طرح أسئلة عدّة أجهضت الحجج التي استندت إليها قوى المعارضة في هذا الصدد، بعدما تبيّن أنّ أزعور لا يحظى بأيّ حالة سياسية أو يمتلك أيّ حيثية تمثيلية في الوسط المسيحي، الأمر الذي أدّى ـ وفق هذا المنطق ـ إلى رفض عدد من النوّاب المسيحيين ترشيحه، وإلى انقسام واضح داخل الكتل المسيحية رفضاً وتحفّظاً على خيار أزعور.
وذهبت قوى المعارضة ـ المسيحية منها تحديداً ـ إلى حدّ الإشارة والتحذير من أنّ انتخاب فرنجية من دون غطاء مسيحي سيؤدّي إلى خلل ميثاقي كبير، وصولاً إلى حدّ طعنهم بأيّ جلسة إنتخاب لا يكون للنوّاب المسيحيين كلمة وتأثير في انتخاب الرئيس العتيد.
لكنّ المفارقة أنّ قوى المعارضة المحتجّة اليوم على فرنجية، وظنّا منهم أنّ ذاكرة اللبنانيين ضعيفة، كانوا تجاوزوا هذه العقبة قبل نحو 3 سنوات ونصف، عندما أقدموا في 19 كانون الأوّل من العام 2019 على تكليف الوزير السّابق (الرئيس) حسّان دياب تأليف الحكومة، بعد أسبوعين من سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري في الشّارع، على وقع "الحَراك الشّعبي" الذي اندلعت شرارته في 17 تشرين الأول من العام نفسه.
يومها تمّ تكليف دياب بعد نيله 69 صوتاً، مقابل 13 للسّفير السّابق نواف سلام، وصوت واحد نالته النائب الحالي حليمة قعقور، في حين إمتنع 42 نائباً عن التسمية. غير أن ما كان لافتاً أنّ النوّاب السنّة الذين سمّوا دياب حينها رئيساً مكلّفاً كانوا خمسة نوّاب فقط من أصل 27 نائباً سنّياً في المجلس النيابي، أيّ نحو 18 في المئة من مجمل النوّاب السنّة، بعدما امتنع نوّاب تيّار المستقبل وآخرين عن التسمية، ومع ذلك فإنّ من سمّوا دياب حينها، ويعترضون على فرنجية اليوم، برّروا ما قاموا به بأنّ "التسمية" كانت "وطنية" وليست "طائفية" أو "مذهبية" أو "سياسية"، وأنّ المسؤول في السلطة يُمثل جميع اللبنانيين، وليس أبناء ملته فقط.
ولأنّ المعارضة لم تكن منسجمة مع نفسها حينذاك، وهي كذلك اليوم، فإنّ ما برّرته عامها ترفضه اليوم، أيّ أنّ ما كان حلالاً بالنسبة لها حينها تراه اليوم حراماً على غيرها، برغم أنّ فرنجية يحظى وفق "بوانتاج" أولي على تأييد ما لا يقل عن 14 نائب مسيحي من أصل 64 نائباً في المجلس، أيّ بنسبة 18 في المئة تقريباً، وهي نسبة تساوي النسبة التي حصل عليها دياب من النوّاب السنّة، من غير إغفال أنّ الأصوات المسيحية التي يُرجّح أن ينالها فرنجية، مستقبلاً، تبدو في ارتفاع ملحوظ، وقابلة للزيادة وليس النقصان، لأنّ الظروف السّياسية الداخلية والخارجية، وعامل الوقت، كلها تلعب لصالحه.