ميقاتي متجاهلاً ذكرى اغتيال كرامي: أكثر من سقطة
03 حزيران 2023

ميقاتي متجاهلاً ذكرى اغتيال كرامي: أكثر من سقطة

عبد الكافي الصمد

أسئلة كثيرة طُرحت في مختلف الأوساط في طرابلس، ولبنان، بعد الإنتقاد اللاذع الذي وجّهه النّائب فيصل كرامي إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي (الخمس 1 حزيران الجاري)، وما هي أسباب الرسائل القاسية التي بعث بها كرامي إلى ميقاتي، وخلفياتها، وتداعياتها في المرحلة المقبلة على طرابلس خصوصاً ولبنان عموماً، وهل هذه الإنتقادات مجرد "غيمة صيف" وستمرّ، أم أنّها تحوّل في العلاقات بين الرجلين ستكون لها إنعكاسات متعدّدة ومختلفة في المرحلة المقبلة.
بداية لا بدّ من التأكيد أنّ "الودّ السّياسي" كان مفقوداً بين الطرفين منذ دخول ميقاتي إلى العمل السّياسي أواخر تسعينات القرن الماضي، لأسباب سياسية واضحة تتعلق بالتنافس حول زعامة طرابلس ورئاسة الحكومة معاً، برغم فترة "المساكنة" السّياسية بينهما في فترات معينة، كانت قصيرة غالباً، ذلك أنّ طابع العلاقة بين ميقاتي وكرامي غلب عليها البرودة السّياسية، مع جفاء وتوتّر بين حين وآخر.
الإنتقاد الأخير القاسي الذي وجّهه أفندي طرابلس إلى ميقاتي خلال افتتاحه مستوصفاً في منطقة القبّة، جاء في أعقاب تجاهل ميقاتي إصدار بيان تعزية واستنكار في ذكرى اغتيال رئيس الحكومة الراحل رشيد كرامي، أو الإتصال به معزياً، كما جرت العادة في هذه المناسبة كلّ سنة، ما دفع كرامي إلى اتهام ميقاتي بأنّه "وكي لا يزعج القاتل (رئيس حزب القوات سمير جعجع) وحرمه (النائب ستريدا جعجع)، لا يتأتى على ذكر أو إصدار بيان أو يستذكر الرئيس الشهيد الذي استشهد فعلاً وهو رئيس للحكومة، ولم يصدر أيّ تعزية"، وصولاً إلى حدّ توجيه كرامي الكلام إلى ميقاتي بقوله له: "إذهب ونفّذ مشاريع للقوات "قد ما بدك". طرابلس ليست بحاجتك، وذكرى رشيد كرامي ليست بحاجة لبيان منكم، فلتزر جعجع وحرمه في معراب بالسر "قد ما بدّك". ذكرى رشيد كرامي أكبر منكم".
أسباب تجاهل ميقاتي ذكرى اغتيال رشيد كرامي لم تتضح بعد، ولم يصدر عنه أيّ بيان توضيحي لهذا التجاهل، هل هو متعمّد أم لا، كما لم يصدر عنه أيّ ردّ على ما قاله كرامي بحقه، ما فتح الباب أمام اجتهادات شتّى، منها من اعتبر أنّ كرامي إستغل المناسبة لـ"تصفية" حسابات سياسية قديمة مع ميقاتي، ومنها من رأى أنّ هذا التجاهل اعتبر "سقطة" من ميقاتي ما كان ينبغي أن يرتكبها، خصوصا أن رؤساء الحكومة السّابقين (وهو أحد أعضاء ناديهم) أصدروا بيانات تعزية بالمناسبة، ما كان يفترض به أن يسبقهم لسببين: الأوّل أنّه رئيس الحكومة الحالي ولو في تصريف الأعمال؛ والثاني أنّ رشيد كرامي هو إبن مدينته.
توالي "سقطات" ميقاتي في الآونة الأخيرة بدأ يرسم علامات إستفهام واسعة حول أدائه وحول مستقبله السياسي، خصوصاً "سقطاته" بما يتعلق بمدينته. فهو لم يزرها منذ تأليفه حكومته الحالية إلّا مرّات قليلة ونادرة بالكاد تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة، وإذا زارها فإنّ زيارته لها أغلب الأحيان يقتصر على مجيئه إلى قصره في الميناء حيث يكون في استقباله بضع عشرات من أنصاره المحسوبين عليه والموظفين لديه، من غير أن يجد أيّ استقبال شعبي بانتظاره، أو يبادر شخصياً بالنزول إلى الأرض في المدينة ومعاينة وضعها وتفقد أحوالها، لأنّه يدرك حجم الإستياء العارم فيها منه، ومن تجاهله لها، ومن تركه طرابلس تغرق في الفقر والحرمان، ومن نكثه بوعوده لها بالجملة والمفرق.
وبرغم أنّ طرابلس أعطت ميقاتي أكثر ممّا أعطت أي شخصية سياسية أخرى، وعلى وجه التحديد في استحقاق إنتخابات عام 2018 التي جعلته يحتل المرتبة الأولى في كلّ لبنان بين جميع المرشّحين السنّة الفائزين حينها، بمن فيهم الرئيس سعد الحريري نفسه، عندما نال ميقاتي في طرابلس أكثر من 21 ألف صوت، فإنّ سؤالاً متشعباً يطرح نفسه في هذا السياق، هو: هل ردّ ميقاتي الجميل إلى طرابلس وأهلها، وكيف، ولماذا يبدو رئيس الحكومة في تصرفاته ومواقفه تجاه مدينته وكأنّه لا يمثلها، لا بل وكأنّه على خصومة معها؟

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen