الديار _ لبنان بحاجة إلى إصلاحات سياسيّة واقتصاديّة بنيويّة وليس شكليّة
05 شباط 2025

الديار _ لبنان بحاجة إلى إصلاحات سياسيّة واقتصاديّة بنيويّة وليس شكليّة

شربل الأشقر

منذ انسحاب الوصاية السورية من لبنان عام 2005، والاستحقاقات الدستورية في لبنان تمر بفراغات، خاصة في موقع رئاسة الجمهورية، كما في تأليف الحكومات وتمديد في مجلس النواب وفي الانتخابات البلدية والاختيارية، وكل ذلك لأسباب بحت شخصية وحزبية وطائفية، حتى بات لبنان الدولة التي ربما تتمتع بأكبر عدد من الفراغات الدستورية في العالم. آخر هذه الفراغات الطويلة هي سنتان وشهران لانتخاب رئيس للجمهورية، رغم مساعدة خمس من أكبر وأهم الدول العالمية والإقليمية. والآن الجميع ينتظر تشكيل حكومة منذ أكثر من أسبوعين، ولا يبدو ان هناك حكومة في الأفق، فباستثناء بعض الوزارات القليلة المثبتة، فإن أكثرية الوزارات والأسماء تلعب مثل البورصه صعودآ ونزولآ. فهل سننتظر مرة أخرى طويلآ كي تتشكل حكومة؟
 

ثم ما هي الإصلاحات التي وُعدنا بها بشكل الوزارات؟ وما داعي البقاء على وزارتي المهجرين والإعلام وغيرهما كوزارات مستقلة؟ أليس من المجدي أكثر إنشاء وزارات تواكب التطور الحاصل في لبنان والعالم ، وتأخذ لبنان نحو دولة عصرية؟ ماذا مثلآ عن وزارة تطوير ومكننة الإدارات العامة؟ أليس لبنان في العام 2025 بحاجة ماسة الى مكننة الوزارات والإدارات العامة بأفضل وبأسرع طريقة ممكنة؟ أم أن الحداثة والتطور يكونان بوجود أكثر من 340 ألف موظف إداري، نصفهم حزبيون لا يفعلون أي شيء سوى تقاضي رواتبهم آخر الشهر من خزينة الدولة، حيث تقدر رواتب موظفي الإدارات العامة بحوالى 130 مليون دولار تدفع من ضرائب الشعب اللبناني؟

ثم ماذا عن وزارة التصميم والتخطيط (Ministere de la planification) التي تعتبر من أهم الوزارات في فرنسا وفي دول الاتحاد الأوروبي؟ وهي تعنى باستشراف إلى أين ذاهب البلد والمجتمع بعد عشرات السنين على جميع الأصعدة، وتعدّ خططا لمواكبة هذا التطور بأفضل طريقة، حيث يبقى البلد والشعب على أكبر قدر من المنافسة على الصعيد الاقتصادي (من صناعة وتجارة وخدمات وزراعة وتقديمات مصرفية...) كما وعلى صعيد المناهج المدرسية في ما خص التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وتطوير المجتمع من ناحية التربية المدنية...

الجميع يتكلم منذ أكثر من سنتين على الانتخابات الرئاسية وعلى التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، واليوم على تشكيل الحكومة. لكن هل أحد يتكلم على الـ 38 % من اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر ؟ أو على نسبة البطالة التي تصل إلى حوالى 33% بين الشباب، بحسب تقرير البنك الدولي منذ حوالى الـ 5 أشهر؟ أم أن هؤلاء هم مواطنون من الدرجة الثالثة والرابعة؟ مَن أوصل لبنان واللبنانيين إلى هذه الدرجة المزرية من الفقر؟ أليست الطبقة السياسية التي حكمت لبنان منذ 1992 وحتى يومنا هذا؟ للأسف طبقة سياسية أغلبيتها فاشلة وفاسدة، حتى بات العالم أجمع يقول عن اللبنانيين إن الفساد في لبنان أصبح جزءا من ثقافة اللبنانيين، والمشكلة أن لا من يحاسب.

بعد تشكيل الحكومة وحل مشكلة الاحتلال الإسرائيلي، على الحكومة أن تنكب على الإصلاحات البنيوية في سياسة الإصلاح الحكومي، عبر تغيرات في بعض الأولويات، في السياسات المالية والاقتصادية المتعاقبة في إدارة السياسات المالية والاقتصادية، فمثلآ السياسة الضريبية على المؤسسات، يجب أن تشجع الشركات الصغيرة والناشئة والتكنولوجيه (Start up) التي هي مستقبل الاقتصاد في لبنان، وتخلق فرص عمل للأجيال الشابة. أما بالنسبة للشركات المتوسطة والكبيرة، فعلى السياسة الضريبية أن توفق بين تطور الشركات وإدخال أموال إلى خزينة الدولة، مع الحفاظ على القدرة التنافسية لهذه الشركات.
أيضًا هناك سياسة الجمارك على البضاعة المستوردة، يجب أن تكون مدروسة جيدًا، بشكل أن تحمي المنتج المصنع محليًا من المضاربة الخارجية، دون أن تؤدي إلى تضخم في الأسعار، لأن الكثير من المنتجات المستوردة ليست مصنعة في لبنان، كما أن المواد الأولية للصناعة الوطنية مستوردة، لذلك على السياسة الجمركية أن تخلق توازنا دقيقا بين عدم خلق تضخم في الأسعار، مع إدخال أموال إلى خزينة الدولة. أما وزارة الاقتصاد فعليها توجيه القطاعات الاقتصادية نحو القطاعات المربحة، وتساعد الشركات على تأمين مستلزمات النجاح، كتأمين الكهرباء بأسعار تنافسية وتسهيل جميع معاملات الاستيراد وبخاصة التصدير. كما على الوزارة بالتعاون مع وزارة الصناعة العمل على مراقبة نوعية المنتج، كي يتمشى مع متطلبات الأسواق الخارجية، وبخاصة العربية والأوروبية.
منذ الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا، وبسبب فشل أغلبية الطبقة السياسية في تقديم أدنى الخدمات للشعب اللبناني، باتت الأغلبية من المواطنين وللأسف لا تشعر بانتماء لوطنها. حتى إنه لا يوجد حتى الآن كتاب تاريخ موحد، ونتمنى على فخامة الرئيس والرئيس المكلف والحكومة التي ستشكل أن يدرسوا ما جرى في دولة سنغافورا ودبي، وأن يحاولوا نقل تجربتهما إلى لبنان، فلربما نستطيع بناء وطن يسعى الشباب إلى البقاء فيه، ليفتخروا بآبائهم بدل الاصطفاف أمام السفارات يتوسلون الحصول على "فيزا".

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen