غزة انتصرت.. وحُلم تصفية القضية الفلسطينية ومشروع المقاومة سقط
19 كانون الثاني 2025

غزة انتصرت.. وحُلم تصفية القضية الفلسطينية ومشروع المقاومة سقط

كتَبَ المُحرّر

رقعة جغرافية صغيرة لا تتجاوز مساحتها حجم مدينة من مدن العالم، تقع في بقعة من الأرض محاصرة من جميع الجهات، البحر من ورائها والعدوُّ من أمامها، قُهرت أعتى جيوش العالم عند أسوراها، إنها غزة الشموخ والإباء، غزة النصر على الاحتلال الإسرائيلي، غزة التي أعطت العالم ومعهم العرب الأذلاء دروسًا في الصمود والصّبر والبأس.

قلة قليلة من أحرار العالم وقفت مع غزة، منهم من تعاطف معها في المحافل الدولية وألهب الشوارع بالمظاهرات، كاشفًا وجه "إسرائيل" الإجرامي ووجه من دعمها من الغرب المنافق المدعي للحرية والإنسانية والديمقراطية، وعلى رأسه الولايات المتحدة. 
ومنهم من ساند غزة عسكريًا وقدم آلاف الشهداء والجرحى ونذر كل ما يملك فداءً لها، هؤلاء هم أهل الحميّة والكرامة، إنهم رجال محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق وسوريا، ومن خلفهم إيران، ساندوا غزة ودفعوا ثمنًا باهظاً من رجالهم وقادتهم وممتلكاتهم نصرة لها، وأثبتوا للجميع أن غزة ليست متروكة وحيدة بلا ناصر أو معين، وأن القضية الفلسطينية لن تنتهي وستبقى قضية الأمة الإسلامية.

لكن هناك نوع آخر من البشر، من الذين يفترض بهم أن يقفوا مع غزة ويقاتلون معها قتال الشرفاء، كونهم من أبناء قومها وتجمعهم معها صلة النسب والدين والتقاليد، ولأن النخوة والرجولة والكرامة ليست من شِيمهم، تركوها تواجه قدرها، وأبوا صاغرين أن يشاركوها "عرس النصر" على الأعداء. والأدهى من ذلك كله، أن فريقًا من أولئك البشر، أكثر انحطاطًا ونذالة، فبدلاً من أن يبكوا على ما حلّ من ظلم وآلام ومآسي بحق أطفال غزة ونسائها وشيوخها، تآمروا عليهم وقدّموا لجنود العدو شتى أنواع المساعدات كي يثبتوا في الميدان ويستفحلوا في ارتكاب المجازر. وفريق آخر منهم لا يقل منزلة عنهم، أصابه الوهن والخوف، وأراد أن يحاسب أهل المقاومة لإسنادهم إخوانهم في غزة وشهادتهم من أجلهم، قائلين لهم هذه حربكم وليست حربنا، وكل ذلك إرضاء لسيدهم الأميركي.

أيًا تكن الأمور، ظلت غزة تقاوم بشيبها وشبانها، أبت أن ترفع راية الاستسلام طيلة سنة وثلاثة أشهر، نهض مقاوموها من تحت ردم البيوت المهدمّة يطاردون جنود الاحتلال الإسرائيلي أنى عبروا، ملحقين بهم قتلى وجرحى، يسددون قواذفهم باتجاه دباباتهم ويتلقون صواريخ الطائرات بصدورهم. سطروا أعظم ملاحم البطولات التي قَلَّ نَظيرها عبر التاريخ، وكتبوا بدمائهم على ما تبقى من جذوع الشجر المحترقة وجدران البيوت المدمرة: "هذه أرضي أفديها بروحي". فكان صمود أسطوري لشعب محاصر من الجهات كافة، شعبٌ تعرّض لأفظع أنواع القتل والتعذيب والتجويع المُمَنهَج والحرمان من الطعام والماء والدواء والمأوى، ورغم ذلك أبى إلا أن يرفع راية النصر.

نعم انتصرت غزة أخيرًا، وفرضت شروطها على المحتل: انسحاب كامل للعدو وإنهاء شامل للحرب، وعودة النازحين وفك الحصار ومنع التهجير وإعادة الإعمار. ولو هذه التضحيات الكبيرة التي قدمتها غزة ومن خلفها محور المقاومة، لما توقّف المشروع الصهيوني الآثم من تصفية القضية الفلسطينية وحلم إسقاط المقاومة التي ستؤسّس لمستقبل سيؤدي لزوال "إسرائيل". وهذا ما اعترف به أعداء المقاومة من أنها صارت أكثر قوة خلال الحرب مما كانت قبلها.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen