إمبراطورية الصهاريج... إحتكار الماء
كتب مروان جلّول" إجت... الضّغط خفيف – إنقطعت" عبارة كفيلة بإنطلاق عجلة شاحنة صهريج المياه كأنّها سيّارة إطفاء إستعجلت لإطفاء حريق ، أزمة المياه ليست مستجدّة على المدن و القرى الشّماليّة إلّا أنّها تأتي في ظلّ أجور متدنّية، ارتفاع كلفة المعيشة، بطالة، و الدّولرة.
محرّكات الشّاحنات المزوّدة بالصّهاريج لا تجد للرّاحة سبيل، فالحال هو ذاته في اللّيل و النّهار ليترك المواطن تحت رحمة أباطرة الصّهاريج الّذين فرضوا أنفسهم كأمرٍ واقع في ظلّ إنقطاع شبه تامّ لمياه لبنان الشّماليّ.
محمّد عامل مياوم لا يتعدّى أجره ال 8 ملايين ليرة شهريًّا ملزم أن يؤمّن قوت عياله و أن يدفع بدل إيجار منزله لتأتي أزمة المياه لتزيد الطّين بلّة. " أنا بحاجة لشراء خمسة براميل مياه كلّ أربعة أيّام مقابل 500 ألف ليرة و قد تراكمت عليّ الدّيون لصالح مالك الصّهريج ".
الحال هُنا شمالًا ليس كأيّ حال لأنّ مجتمع الأباطِرة لا يخلو من المنافسة إذ يتراشق هؤلاء التّهم حول سلامة مياه كلٍّ منهم و ذلك بهدف وسرقة زبائن بعضهم البعض .
في حين يتكتّم آخرون تمامًا عن مصدر مياههم وخصوصًا في الآونة الأخيرة، مع ظهور حالات كوليرا تبيّن لاحقًا أنّها بسبب المياه الملوّثة الّتي يشترونها من الأباطرة أنفسهم وممّا لا شكّ فيه أنّ لكلٍّ من الأباطِرة سطوته و جمهوريّته الخاصّة من أمثال "سيكو" و هو أحد أسياد المصلحة، يعرف أسرارها و جغرافيّة المنطقة و مصادر مياهها متمترّسًا خلف علاقاته السّياسيّة الّتي دائمًا ما تُعفيه من الملاحقة الأمنيّة النّاتجة عن شكاوى المواطنين المتكرّرة سواء لجهة تلوّث المياه أو لجهة تعدّيه على بعض المستهلكين .
يبدأ سيكو حديثه قائلًا "كنتُ عاملًا و لجأتُ إلى هذه المصلحة طمعًا بالأجر الجيّد في ذلك الوقت إلى أن صرتُ أعرف عنها كلّ شيء من مصادر المياه وصولًا إلى الشّاويش الّذي لا يشبع وصولًا للغطاء السّياسيّ الّذي سهّل كُلّ شيء.
أوّل صهريج اشتريته كان بعد إحدى الإنتخابات النّيابيّة حيث حصلت على مبلغ من المال من أحد السّياسيّين النّافذين إضافة لما كسبته من عملي ليبدأ مشواري الطّويل الّذي بفضله وصلت لما أنا عليه و أصبحت الزّعيم و صاحب مصلحة، أملك عددًا من الصّهاريج تُقدّم خدمة نقل المياه إلى عدد كبير من المناطق".
يتلقّى سيكو يوميًّا عشرات المكالمات من عدّة مناطق فيملأ صهاريجه من أحد الجداول القريبة و يبيع الصّهريج بمليونين ومئتي ألف ليرة أي ما يقارب 27 $ دولارًا.
ويضيف في هذا السّياق "أبيع ما يقارب ال20 نقلة في اليوم في أسوء الأحوال، أمّا في حال انقطاع مياه الشّفّة لأكثر من يوم فيصل العدد لستّين نقلة في اليوم، والسّعر المعتمد مقبول كون المحروقات و تصليح الآليّات بالدّولار الفريش والغلّة اليوميّة تقارب الخمسمائة دولارًا".
يسرد لنا (أبو صبحي) الّذي يسكن في أحد المشاريع السّكنيّة و لسان حاله كغيره من المواطنين متّهمًا أصحاب الصّهاريج أنّهم اللّاعب الأوّل في إنقطاع الماء بغضّ النّظر عن أزمة الكهرباء وذلك من خلال قيامهم بتخريب مواسير المياه تارةً و إغلاق الصّنابير الرّئيسيّة للمياه في الخزّانات الّتي تغذّي المنطقة تارة أُخرى، و ذلك بهدف إحتكار بيع المياه بالسّعر الّذي يريدون بالتّنسيق مع شاويش المياه لقاء مبلغ مادّيّ معيّن.
مُضيفًا "إنّ رجلًا يُدعى (حمدان) و هو أحد أصحاب الآبار القريبة من المشروع قد إنضمّ حديثًا للعمل في بيع المياه بعد أن إتّفق مع مسؤول مياه المشروع بتخريب مضخّة البئر الخاصّة بالمشروع بهدف بيع المياه للسّكّان بالدّولار حصرًا، حيث يتقاضى دولارين عن كلّ خمسة براميل سواء إرتفع سعر الدّولار أو إنخفض، مبرّرًا ذلك بذريعة إضطراره إلى تشغيل البئر على المولّد الخاصّ حتّى يتمكّن من تلبية حاجات المواطنين، في حين أنّه يُشغّل مضخّته على خطّ السّرقة من كهرباء الدّولة".
أمّا (شادي) المُلقّب (بالبرنس) هو صديق الزّعيم سيكو المُقرّب يملأ صهريجه من مكان سرّيٍّ لا يبوح به حتّى لأمّه معتبرًا إيّاه أحد أهمّ أسراره مُردّدًا "لا تبح بسرّك لعزيز فلكلّ عزيز عزيز".
و هو الّذي يروي كيف بدأ مشواره الطّويل المتقلّب بين العمل تارةً و السّجن تارة أخرى بسبب عراكه المتكرّر مع شرطة بلديّة إحدى المناطق لملاحقته و محاولة منعه من ملء خزّاناته من أحد مصادر المياه.
مُردفًا "نقلة الماء بمليوني ليرة لكلّ خمسة براميل نظرًا لإرتفاع سعر الدّولار كما أنني أتكبّد 200 ألف ليرة يتقاضاها منّي الشّخص الّذي يملأ لي الصّهريج.
هذه المهنة لم تعد موسميّة كما في السّابق، فالطّلب كبير على الماء بسبب إنقطاع الكهرباء المُستمرّ".
"شريك الماء لا يخسر" مثل شائع لم يعد معناه يُعبّر عن حقيقة واقعنا،اليوم شريك الماء و ناقلها إمبراطور مستبدّ و فرعون تفرعن بعد أن تخلّت الدّولة عن أبسط واجباتها ليعيش المواطن اللّبنانيّ جفافًا في الحقوق و تقطيرًا في و سائل العيش.