الأخبار _ عكار: تدني الحرارة يتسبّب بموجة نزوح داخلي
04 تشرين الثاني 2024

الأخبار _ عكار: تدني الحرارة يتسبّب بموجة نزوح داخلي

زينب حمود

منذ بدء الحرب على لبنان، حاول كثر من النازحين، خصوصاً من الجنوب والضاحية الجنوبية التوجه إلى عكار، لأسباب عدة منها جغرافية ترتبط ببعد المسافة عن مكان سكنهم، واقتصادية تتعلق بالحرمان الذي تعانيه عكار، وأمنية نظراً إلى الانقسامات السياسية سابقاً. النازحون البقاعيون كانوا أول من توجّهوا إلى عكار لانتفاء الأسباب الثلاثة بالنسبة إليهم. فعكار قريبة جغرافياً وتربطهم بها علاقات مصاهرة وجوار، أما بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي «فالحال من بعضو».
غير أن اكتظاظ مراكز الإيواء في بيروت وجبل لبنان ومن ثم طرابلس، «دفش» كثراً من النازحين من الجنوب والضاحية للتوجه إلى عكار، حتى وصل عدد النازحين فيها إلى حوالي 70 ألفاً من بينهم 7630 نازحاً (1956 عائلة) في 94 مركز إيواء وصلت إلى قدرتها الاستيعابية (باستثناء مركز واحد فقط قادر على استقبال المزيد)، ونحو 62 ألفاً (14606 عائلات) في شقق ومنازل في 138 قرية من أصل 158 في المحافظة.
غيّر النزوح كثيراً من الأفكار المسبقة بين كل من النازحين والمضيفين الذين أبدوا رحابة صدر كبيرة. لكنّ وضع النازحين في عكار يبقى «كارثياً أكثر من أي مكان آخر» وفق ما يؤكد لـ«الأخبار» ناشطون متابعون لملف النزوح على الأرض، إذ نال النازحون نصيب أهل عكار من التهميش التاريخي والحرمان. ورغم أن غياب الدولة عام ولا يفرّق بين منطقة وأخرى على امتداد الخريطة اللبنانية، إلا أن ما يفاقم معاناة النازحين في عكار أن غالبية الجمعيات الكبيرة والفعّالة لا تصل إليهم، فيما الجمعيات الموجودة في المنطقة نادرة وفقيرة، وهي حضرت بشكل خجول في بداية الأزمة ثم غابت نهائياً لضيق ذات اليد. كما تغيب الأحزاب الكبيرة عن المنطقة، وتبقى إمكانات الأحزاب المعنية بالمساعدة ضئيلة، كالحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي حيث تقوم المراكز الصحية التابعة لجمعية النجدة الشعبية باستقبال المرضى النازحين وتقديم خدمات صحية مجانية.

70 ألف نازح في عكار يتقاسمون الحرمان مع أهلها


«العائلات العكارية قدّمت بيوتها لاستقبال نحو 70% إلى 80% من النازحين بالمجان»، بحسب المحافظ عماد لبكي. كذلك «لم ندفع يوماً كشوفات طبية عن أي نازح، بل كانوا يخرجون من عيادة الأطباء محمّلين بالأدوية مجاناً، حتى الصيدليات قدّمت حسومات على بيع حليب الأطفال عندما عرفت أننا نؤمّنه للنازحين، وقدّم أصحاب المحال اللحوم والدجاج والخضر مجاناً لتحضير الوجبات الغذائية في مراكز الإيواء»، كما تقول الناشطة في عكار فداء عبد الفتاح. هكذا اتّكأ النازحون بداية على أهالي المناطق والمبادرات الفردية، لكنّ العكاريين ليسوا أفضل حالاً من ضيوفهم، وهم على أيّ حال لم يبخلوا بتقديم ما تيسّر و«على قدّهم»، وما عادوا قادرين على المساعدة.
ويزيد من المشكلة سوء التنظيم وسوء إدارة ملف النازحين وكذلك سوء إدارة توزيع المساعدات، ما يؤدي إلى مدّ مراكز بمساعدات تفوق حاجتها خصوصاً في حلبا مركز المحافظة، مقابل حرمان مراكز أخرى في الأطراف، وأحياناً توزيع أكثر من جمعية وجبات غذائية على المركز نفسه وفي اليوم ذاته.
في المحصّلة، النواقص في الاحتياجات الأساسية «تشمل كل شيء من فرش وأغطية وثياب وبُسط للأرض وأدوية وطعام، فقبل أسبوع كنت أخوض معركة لتأمين فرشتين لنازح وزوجته لكنّ أكثر ما يردني هو طلب الأغطية الشتوية والطعام»، تقول عبد الفتاح. ويمكن ملاحظة النقص في تأمين أدنى مستلزمات العيش من خلال مقارنة عدد النازحين الضخم (70 ألفاً) بعدد المساعدات الخجول الذي قدّمته مؤسسات الدولة، إذ لم يتجاوز عدد الفرش 14 ألفاً، والأغطية 17 ألفاً، والوجبات الجاهزة منذ اليوم الأول حتى 2 تشرين الثاني الجاري 218 ألف وجبة، بمعدّل 3 وجبات فقط لكل نازح منذ بدء النزوح. ويشير لبكي إلى «تحديات كبيرة في إغاثة النازحين، أوّلها تأمين التدفئة في مراكز الإيواء والإنارة ليلاً، بالإضافة إلى عدم قدرة البلديات على تحمّل أعباء رفع الكميات الكبيرة من النفايات التي ندرس مع الأمم المتحدة وضع خطة للمساعدة في رفعها».
وإزاء غياب التدفئة، بدأت منطقة عكار تشهد حركة نزوح على خطين: الأول داخلي من مناطق جبلية باتجاه بلدات ساحلية والثاني إلى خارج عكار، فهناك عائلة غادرت شقة قُدّمت لها مجاناً عائدة إلى منزلها في حي السلم هرباً من البرد. وإذا كانت أيادي الخيّرين تتوجه إلى مراكز الإيواء التي تجهّزت بالحد الأدنى، فهناك نازحون في شقق سكنية فارغة من أبسط لوازم الحياة وبحاجة دائمة إلى الطعام، وهو ما يؤكده لبكي، واعداً بـ«أن نصرف تركيزنا في الأسبوع المقبل على النازحين في المنازل وتأمين الحصص الغذائية لهم وتكملة النواقص، بناءً على وعود حكومية بأن تتدفق بالتوازي المساعدات التي وصلت من دول الخارج».

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen