الديار _ كيف انعكس النزوح على الحركة الاقتصادية في طرابلس ؟
دموع الأسمرتزدحم شوارع مدينة طرابلس، كما اسواقها التجارية، ومقاهيها ومطاعمها ومحلاتها التجارية، على غير عاداتها، ولا يحتاج المرء الى كثير من التدقيق كيلا يلاحظ ان هذا الازدحام مرده الى حجم النزوح الكبير في المدينة، وابرز الدلالات تلك السيارات التي تعج بها الشوارع، والحاملة لوحات تسجيل عليها رموز مناطق الجنوب والبقاع والضاحية وعموم بيروت.
منذ بدء العدوان الصهيوني الهمجي على لبنان، تستقبل طرابلس، والشمال، موجات النازحين من المناطق التي تتعرض للعدوان الصهيوني، مئات منهم جرى ايواؤهم في مراكز المدينة ومدارسها، ومئات اخرى عمدوا الى استئجار شقق سكنية في مختلف انحاء واحياء المدينة وضواحيها الى درجة ان العثور على شقة سكنية شاغرة بات امرا عسيرا جدا، نتيجة حجم النازحين الذي فاق كل التوقعات.
عائلات عديدة ممن لجؤوا الى استئجار شقق غير مفروشة اضطروا الى ابتياع الحاجيات الاساسية من أسرة واغطية وادوات منزلية متنوعة، اما الشقق المفروشة فتعمد العائلات الى شراء حاجياتهم اليومية، فيما تصل النازحين المقيمين في مراكز الايواء المساعدات من فرش واغطية وحصص غذائية لكنها تبقى دون المستوى المطلوب وغير كافية.
لكن يمكن ملاحظة ان اسواق طرابلس بمختلف انواعها باتت تشهد حركة انتعاش غير مسبوقة، سواء في اسواق طرابلس الداخلية او في محلات السوبرماركت الكبرى، واينما اتجه المرء في طرابلس تجد عائلات تبتاع حاجياتها من البسة، بخاصة عشية فصل الشتاء وانخفاض حرارة الطقس، او تبتاع الحاجيات اليومية في سوق الخضر ومحلات السوبرماركت، حيث لفت بعض التجار واصحاب المحلات الى ان النازحين حركوا اقتصاد المدينة الذي انتعش قياسا الى الاشهر التي سبقت العدوان، رغم ان العديد من العائلات يحاولون الاقتصاد في نفقاتهم جراء ازماتهم المالية وخروجهم السريع من مناطقهم التي تتعرض للقصف الهمجي الغادر، لكن حاجتهم الى مواد اساسية ومواد تموينية تدفعهم الى ارتياد الاسواق.
واشارت عائلات نازحة خلال جولاتها في اسواق طرابلس الى فارق شاسع باسعار السلع الغذائية بين طرابلس وبيروت رغم الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد، حيث اسعار الخضر قياسا الى اسعارها في بيروت تعتبر منخفضة ومقبولة، علما ان البعض الآخر قد شكا من استغلال النزوح لرفع الاسعار، لكن ما لبث التجار ان لبوا نداء المرجعيات الدينية والاجتماعية الذين دعوا فيها الى منع استغلال النازحين ومراعاة اوضاعهم والوقوف الى جانبهم.
كثيرون من النازحين اعربوا عن مفاجآتهم بان اسعار البندورة والخيار والحامض منخفضة وبمتناول الجميع فيما كانت هذه المواد تباع في بيروت باسعار مرتفعة جدا، كما لاحظوا اهمية الاحتضان الشعبي لهم والود الذي لاقوه من ابناء طرابلس والشمال.
اما مطاعم المدينة ومقاهيها فباتت يوميا شاهدة على حركة رواد لا تهدأ منذ الصباح وحتى ساعات الليل المتأخرة، عدا انشطة الجمعيات والمؤسسات الاهلية المحلية والدولية التي استنفرت لتأمين مختلف مستلزمات النزوح بدءا من الفرش الى الاواني المنزلية وادوات التنظيف، والحصص الغذائية، الى الطبابة والاستشفاء والدواء، سوى ان الحاجة لا تزال كامنة لدى ادارة الكوارث وهيئة الاغاثة لتأمين حاجيات المقيمين في مراكز الايواء التي باتت مكتظة، والحاجة ماسة الى توفير مراكز ايواء جديدة لاعداد النازحين الذين ما زالوا يتوافدون يوميا ويجهدون لايجاد مأوى او شقة سكنية...