الأخبار _ تقييم خطة الطوارئ الصحية: صمود في مواجهة الاخـتبارات الأولى
فؤاد بزيتجاوزت وزارة الصحة الاختبار الأول لغرفة الطوارئ الصحيّة. وتمكنت من الربط والتنسيق بين المستشفيات في المناطق وغرف الطوارئ والعمليات فيها، وبين سيارات الإسعاف. فأدارت نهر الجرحى والمصابين الذي تسببت به «مجزرة البايجر». ورغم عدد الجرحى الضخم الذي سقط في لحظة واحدة، لم تسجّل فوضى في أروقة الطوارئ. وفي الأسبوع نفسه، خضعت الغرفة لامتحان جديد بعد انفجار أجهزة اللاسلكي، تلته مجزرة «القائم» في الضاحية الجنوبية.وأمس، بدأ الاختبار الحقيقي لكل الخطط الحكومية المتعلقة بالطوارئ، ومنها الخطط الصحية. بما أنّ البلد «ولّاد للأزمات»، بحسب رئيس دائرة المستشفيات في وزارة الصحة هشام فواز، «بدأنا في وزارة الصحة بالتحضير لمواجهة الأزمة منذ 11 شهراً». ومن نتائج هذه التحضيرات، إنشاء غرفة الطوارئ الصحية التي تضمّ إلى وزارة الصحة، ضباط اتصال من المستشفيات، واللجان الأهلية التي تملك العدد الأكبر من سيارات الإسعاف، وعدداً من المنظمات الصحية الدولية مثل الصليب الأحمر، ومنظمة الصحة العالمية، وأطباء بلا حدود.
قسمت وزارة الصحة خطتها إلى مراحل. في المرحلة الأولى، «بدأت الفرق التقنية المشتركة من وزارة الصحة، ومنظمة الصحة العالمية بالنزول إلى الأرض، وقامت بجردة لقدرات المستشفيات الحقيقية»، وفقاً لفواز. وفي النتيجة، «تمّ تقييم المستشفيات، وفحصت جهوزية كلّ منها، وكشف على أقسامها، وعرف أيّ منها لديها خطط للطوارئ، وأين هي الثغرات في خططها»، يقول فواز.
ثمّ، «بدأت وزارة الصحة بإجراء التدريبات، ووضع خطط طوارئ للمستشفيات التي لم تضع خططاً». أولاً، «درّب 3700 عامل صحي، من طبيب وممرض على استقبال الجرحى». ثانياً، «بدأت المرحلة الأهم بالتدريب، وهي إدارة الإصابات الجماعية، وكيفية التعامل معها»، يقول فواز. وفي الوقت نفسه، تمّ تأهيل عدد آخر من العاملين في المستشفى بشكل متخصّص، «عُرف هؤلاء بمفاتيح المستشفيات، ومهمتهم خلق بقع خضراء وحمراء في المستشفيات أثناء وصول الأعداد الكبيرة من الجرحى لتصنيفهم، والتعامل معهم». ويضيف فواز، «خلق هذا التدريب في المستشفيات غرفاً لفرز الجرحى. وفي وقت لاحق، حصل العاملون الصحيون على تدريب خاص بالصحة النفسية، ما جعل إجمالي عدد المتدربين في لبنان يصل إلى 7 آلاف.
في المرحلة الثانية، أجرت وزارة الصحة 112 مناورة في 112 مستشفى «فطُلب من المستشفيات التصرّف كأن الحرب وقعت، ووصلت سيارات الإسعاف، ثم بدأ العمل على إدارة الجرحى». لاحقاً، «أخضع الأطباء الجراحون، وعدد آخر من الاختصاصات الطبية، لدورات تقنية متخصصة لتدريبهم على التعامل مع الإصابات الناتجة من الحروب. وشملت هذه المرحلة كلّ مستشفيات لبنان، من الشمال إلى الجنوب، وخلالها «وزعت وزارة الصحة أكثر من 130 طناً من المستلزمات الطبية، من مستودعاتها ومن الهبات على المستشفيات الحكومية والخاصة»، وفقاً لفواز. ولم توزع المستلزمات بالتوازي على كلّ المستشفيات، بل «على درجات، بناءً على تقسيم المناطق التي تقع فيها المستشفيات». مثلاً «الضاحية والجنوب والبقاع مناطق حمراء، وكسروان منطقة خضراء».
على مستوى آلية التواصل مع غرفة الطوارئ في الوزارة «صُنّفت المستشفيات إلى مجموعات جغرافية» يقول فواز. مثلاً في منطقة بنت جبيل الجغرافية 4 مستشفيات، ميس الجبل الحكومي، وبنت جبيل الحكومي، وصلاح غندور، وتبنين الحكومي. تجتمع كل مجموعة جغرافية من المستشفيات مرّة شهرياً. وكل مستشفى لديه ضابط اتصال، والضابط مرتبط بغرفة العمليات في وزارة الصحة. كما يشير فواز إلى «حضور الجمعيات الأهلية مثل الهيئة الصحية، وكشافة الرسالة، والصليب الأحمر اللبناني على الطاولة في غرفة العمليات. فهي لديها العدد الأكبر من سيارات الإسعاف». ولزيادة حجم التنسيق «أنشأت وزارة الصحة غرفة طوارئ للإسعاف، فيها مندوب من كل جمعية». على سبيل المثال بعد تفجير «البايجرات»، كانت وزارة الصحة توزع الجرحى على المستشفيات عبر سيارات الإسعاف.
في الامتحان الأول للخطة، سمحت آلية التواصل هذه لوزارة الصحة بتفعيل خطط الطوارئ في المستشفيات إثر «مجزرة البايجر»، وذلك قبل وصول الخبر إلى الإعلام بساعة ونصف ساعة . يومها «فوّلت المستشفيات في المناطق الحمراء، في 7 أقضية، بالجرحى، فطلبت غرفة الطوارئ نقل الجرحى من مستشفيات الضاحية نحو مسشتفيات الأشرفية وبيروت، ومن مستشفيات الجنوب نحو صيدا والشوف، ومن بعلبك نحو البقاع الأوسط، وخلال أقل من ساعة، سيطرنا على الوضع رغم أن قساوة الأمر أكبر من انفجار المرفأ بأشواط». في انفجار المرفأ، أغلب الإصابات دخلت وخرجت في الليلة نفسها. أما في «ليلة البايجرات، فدخل ثلثا الإصابات إلى المستشفيات، 1770 إصابة، 300 منها في العناية المركزة، وكلها تحتاج إلى عمليات. فأجري خلال الأسبوع الماضي أكثر من 2200 عملية».
أما من جهة الأكلاف المادية، فخصّصت الحكومة مبلغ 1000 مليار ليرة لعلاح جرحى الحرب، أي ما يعادل 11.13 مليون دولار، ومنها تصرف الوزارة. ومنذ بداية الحرب، «لم يدفع أيّ جريح أيّ مبلغ للعلاج». ولكن، يلفت فواز إلى «عدم وصول أيّ مساعدة مادية عدا هذه السلفة، لا من الجهات العربية، أو الأجنبية، أو المنظمات الدولية». ويضيف: «نعم، وصلت أطنان من المساعدات العينية، إنّها لا تسدّ العجز، ونحن بعيدون جداً عن تغطية حاجاتنا الفعلية».