بعد عملية "يوم الأربعين" المقاومة تضبط إيقاع الميدان
كتَبَ المُحرَرمنذ فجر 25 آب المنصرم؛ يوم نفّذ حزب الله عملية "يوم الأربعين" المركّبة، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي واحدًا من أكبر الهجومات الاستباقية في تاريخه على عدد كبير من النقاط التضليلية، ما أدخل الجبهة على طرفي الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة مرحلة جديدة من التصعيد، أوحت لبعض المحللين العسكريين أنّ كفّة الميدان مالت لمصلحة العدو.
تأقلم حزب الله سريعًا مع هذه المرحلة التي حاول جيش العدو فرض قواعد اشتباك جديدة فيها، وأظهرت المقاومة بعضًا من تكتيكاتها التي مثَّلت مسارًا تصاعديًا كلما طال أمد الاعتداء، وذلك إسنادًا لغزة ودفاعًا عن لبنان، إذ وجد العدو نفسه أمام وقائع صلبة تُحتّم عليه التعامل معها بجدية.
أولى هذه التكتيكات ظهرت فعليًا على الأرض، فبعد أن كانت مسيّرات العدو منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ترصد التحركات التي تتبع مُطلقي الصواريخ والمُسيّرات وتلاحقهم إلى منازلهم وسياراتهم، عجزت في "يوم الأربعين" من الوصول إليهم. وهذا يدل على أنّ الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية والأوروبية، بكل قدراتها التكنولوجية، لا تملك أي فكرة عن العملية وتكتيكاتها.
مع ظهور معالم هذه المرحلة عبر استهداف "إسرائيل" للمدنيين، وسّعت المقاومة نطاق ردودها بضمّ مستوطنات جديدة في الشمال الفلسطيني المحتل إلى دائرة النار في مسار عملياتي مفتوح على سقوف متعددة، فاستخدمت أساليب وتكتيكات جديدة في مهاجمة المواقع العسكرية الإسرائيلية اعتمدت على أسراب من المُسيّرات الانقضاضية. هذا شكّل تتويجًا لفشل العدو في فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، وفي تحقيق مطالبه بتجريد المقاومة من سلاحها في جنوب نهر الليطاني.
وعليه؛ أوجدت المقاومة معادلة جديدة في أنّ التصعيد يقابله تصعيد مماثل. وهذا ما عمّق مأزق العدو وفاقم الضغوط عليه، إذ بدلاً من حل أزمة المستوطنين الذين يطالبون بالعودة الآمنة، زاد عدد المستوطنات المستهدفة، ما يعني تهجير المزيد منهم، وخاصة أنّ الأماكن التي تهجّر إليها المستوطنون، في مدينة صفد وحول بحيرة طبريا، باتت في دائرة الاستهداف.
في هذا السياق؛ أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إلى أنّ عمليات قصف حزب الله لمستوطنات وقواعد الشمال قد تواصلت، أيضًا، في الأسبوع الأخير بشكل كبير، موضحةً أنها على شكل أسراب من الطائرات المسيّرة الهجومية وصليات كاتيوشا وصواريخ تطلق يوميًّا، على مواقع وقواعد ومستوطنات في شمال الكيان. وذكر مراسل موقع الصحيفة أنّ: "المزيد والمزيد من المستوطنات في الشمال تدخل إلى خط النار، وذلك مع اتساع نطاق هجمات حزب الله في الأشهر الأخيرة".
أما موقع "غلوبس" الإسرائيلي فقد عقّب على هذه الوقائع، قائلًا إنّ: "وتيرة إطلاق الصواريخ ترتفع"، ولفت: "إلى إطلاق نحو 1,307 صاروخ من لبنان في اتّجاه الشمال في آب/أغسطس الفائت، مقابل 1,091 في تموز/يوليو الذي سبقه، وقبله 855 صاروخًا في حزيران/يونيو. وأشار إلى أنّ: "الصليات لم تتوقف مع افتتاح العام الدراسي الجديد، فقد سجّلت عدة حالات اضطرّ فيها الطلاب لإيجاد مخبأ في الطريق إلى المدرسة أو العودة منها". بدوره، قال رئيس بلدية صفد "يوسي كاكون"، في مقابلة مع إذاعة "103 أف أم الاسرائيلية، إنّ: "مدينة صفد تحت مرمى حزب الله.. المدينة ماتت ونحاول إدارة روتين الحياة، لكن لا يمكن ذلك".
لقد تركزت هجمات المقاومة في هذه المرحلة على: قواعد "إييليت هشاحر"، الزاعورة،" شراغا"، "عميعاد"، "ناحل غيرشوم"، وقاعدة ومقر اللواء المدفعي والصواريخ الدقيقة 282 ومخازن التسليح والطوارئ التابعة لها في "يفتاح إليفليط" في شمال غربي بحيرة طبريا، وعلى مقرات "فيلون" (ألوية الفرقة 210 ومخازنها في المنطقة الشمالية جنوب شرق مدينة صفد المحتلة)، وقيادة كتيبة الجمع الحربي لِفرقة الجولان في ثكنة يردن، الاحتياطي للفيلق الشمالي وتمركز احتياط فرقة الجليل ومخازنها اللوجستية في "عميعاد"، لواء حرمون 810 في ثكنة معاليه غولاني، قيادة لواء غولاني، مقر وحدة إيغوز 621 في ثكنة شراغا شمال عكا المحتلة، مقر قيادة كتيبة السهل في قاعدة بيت هلل، مقر قيادة الفرقة 91 المستحدث في أييليت، المقر المستحدث للواء الغربي 300 جنوب ثكنة يعرا، ثكنة راموت نفتالي. كما أدخلت هجمات المقاومة مستوطنتي "روش هانيكرا" و"نؤوت مردخاي" على جدول نيران المقاومة وقصفها لأول مرة.
هذا الواقع الذي ألزمت المقاومة أصحاب القرار في الكيان الصهيوني التماشي معه، لا يعني حرصها على العمل تحت سقف الحرب أو التخوف من الذهاب الى الحرب الموسعة، وأن تقف مكتوفة الأيدي أيًا كانت الاعتداءات. إذ أثبت أداء حزب الله، خلال الثلاثة الأسابيع الماضية، أنه عندما كان يتجاوز العدو بعض الخطوط الحمر، كان الرد يأتي مختلفًا عن النسق العملياتي الحاكم للميدان، والذي بلغت معه الجبهة مستويات لم يسبق أن شهدتها "إسرائيل" في كل تاريخ عملياتها وحروبها السابقة مع لبنان، وخاصة أن ساحة القتال الرئيسة هي شمال فلسطين المحتلة التي تعدّها أرضها "السيادية".
في الخلاصة؛ بعد أكثر من إحدى عشر شهرًا من القتال، ما يزال المقاومون في مواقعهم الأمامية، يمطرون النقاط العسكرية الإسرائيلية بأكثر من مئة صاروخ يوميًا ضمن نطاق جغرافي ضيق يخضع لاستطلاع جوي مجهّز بأحدث التقنيات العالمية، ويتعرض لقصف يوميّ ممنهج. وهذا النجاح الذي حققته المقاومة، حتى الآن، في ردع العدو عن شنّ حرب شاملة على لبنان فرض قواعد أسهمت في تقييد عدوانه، وفرضه معادلة استباحة دم المدنيين.