هل غابت فكرة الاعتكاف فعلاً عن فكر ميقاتي!
مرسال الترسفي مطلع الشهر الماضي كتبت في إحدى مقالاتي عن توجه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي نحو الاعتكاف...فانهالت الاتصالات والمراجعات تسأل وتستوضح خلفيات ماتضمنه المقال من إشارات الى ما ينوي الرجل الذهاب اليه _رغم دقة المرحلة التي تمر بها البلاد _ بإيحاء من أقرب الناس إليه. حتى أن بعض المستفسرين ذهبوا الى حد إتهامنا بالتحامل عليه لجهة تهربه من المسؤولية في أدق مراحل الحكم حيث الفراغ في موقع الرئاسة الأولى منذ خمسة اشهر، والسلطة التنفيذية مبتورة، ومجلس النواب يدور على نفسه في ملف الاستحقاق الرئاسي!
ولكن ما اشرنا إليه ظهر بوضوح بعد ثلاثة أسابيع ونيّف بعد موقعة "التوقيت الصيفي" الملتبسة التركيب مع فيلم مسرّب من دار الرئاسة الثانية، وقرارات تنقض المراسيم وصولاً الى حفلة من الجنون الطائفي ذكّرت "العقّال من المواطنين" بما جرى إبان حرب السنتين منتصف السبعينات وما تحاول بعض القوى "المشبوهة الهوى" من ركوبه عند كل منزلق يتم استغلاله لجر البلاد الى الصورة الأسوأ التي يشتهيها الأعداء.
فما أن شعر الرجل بانه مستهدف ووقع لقمة سائغة بيد من ينتظرونه على أول كوع حتى إنبرى بعد الجلسة الاستثنائية لحكومته (بعد أن ألغى جلسة مقررة لها لمعالجة ازمة رواتب ومحفزات القطاع العام في احلك ظروف أزمة الليرة اللبنانية) حتى خرج الى تلة السراي ليعلن أن "كرة النار اصبحت جمرة حارقة"، ويضيف : "إن أسهل ما يمكن أن اقوم به هو الاعتكاف عن جمع مجلس الوزراء ، واصعب ما اقوم به هو الاستمرار في تحمّل المسؤولية"!
الأمر الذي ظهر أمام المراقبين أن الخطوة مهيأ لها ومحسوبة لأن "إبن طرابلس" الذي اشتهر بالوسطية وبمقاربة الأمور بالبعد عن التحدي وعدم استفزاز القوى المؤثرة في الحكم، لا يجوز أن تكون ردة فعله حادة الى هذا المستوى. إلا إذا كان يدرس الخطوة بجدية مع "عظام الرقبة" ومجموعة المستشارين المقربة جداً!
فـ "السقطة" التي حصلت في "التوقيت الشتوي" لا يجب أن تأتي من رجل يُفترض أنه راكم خبرة ودراية وحنكة وهو في الحكم منذ ربع قرن وزيراً ونائباً ورئيس مجلس وزراء، ولا يُغفر له أنه أعطى الفرصة السانحة للإنقساميين كي يطرحوا أفكارهم الفدرالية واللامركزية بلبوس طائفية ومذهبية حتى العظم وبدون أي تفكير عاقل بما قد يجر على البلد من ويلات.لاسيما وأن جميع المراقبين والمتابعين توقفوا باهتمام عند كيفية استغلال بعض الاعلام الفرصة وتحرّيض رجال الدين على الخوض بها حتى العظم.
فالجميع يُدرك أن الصائم في شهر رمضان الكريم لا ينتظر كم تكون الساعة بل يلتزم بأركان الدين وما يأمر به. ولا يجوز أن تقول له:" اللهم اشهد اني عملت ما في وسعي فلا تكلفني ما لا طاقة لي به"، فرجل الدولة يجب ان يتحمل مسؤولياته حتى آخر رمق، لا أن يتخلى عن المسؤوليات في أدق الظروف وبخاصة أن العديد من المراقبين قد لاحظوا انه قد أدار الظهر لتأليف الحكومة إبان نهاية عهد الرئيس السابق ميشال عون بعكس كل النصائح التي أسديت إليه. فهل كان يعلم بما لم يدركه الآخرون؟
الواضح لدى المراقبين أن ميقاتي لم يطو الفكرة نهائياً ولكنه وضعها في الثلاجة لبعض الوقت ليستطلع آفاق المرحلة الحساسة حيث كل المؤشرات تستبعده عن الكرسي الثالثة في كل الاحتمالات التي ظهرت حتى الآن. وليستخدمها كسلاح دفاع احتياطي كلما حاول أي فريق من رفع بطاقة حمراء في وجهه على غرار قصة "التوقيت الصيفي".