أميركا "عاجزة" أمام التطور العسكري اليمني
كَتَبَ المُحَرّردخل اليمن مرحلة جديدة من الحرب التي تشنّها حركة "أنصار الله"، في البحر الأحمر، على السفن والبوارج المتجهة إلى فلسطين المحتلة لدعم الإسرائيليين في عدوانهم على غزة، من جهة التطور النوعي في تقنية السلاح وانتقاء الأهداف، ما جعل الاستراتيجية الأميركية القابضة على البحار والمحيطات في العالم على المحك.
لقد فرضت القوات المسلحة اليمنية واقعًا جديدًا على حركة الملاحة البحرية العالمية؛ فأجبرت معه المنطقة والغرب على التفكير بجديّة في مقاربة الأزمة اليمنية. إذ إنّ حركة "أنصار الله"، والتي وصفها هذا الغرب يومًا بأنّها "ميليشيا معزولة في الجبال"، وصل إلى نتيجة متأخّرة مفادها أنّ الحركة باتت تمتلك قوة عسكرية متطورة على الأرض وفي الجو والبحر، من صواريخ وطائرات وزوارق مسيّرة.
هذا التطور التكنولوجي المذهل فرض على صنّاع القرار، في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، التعامل مع "أنصار الله" على أنّها قوة إقليمية ضاربة باتت تسيطر على أهم معابر التجارة العالمية في البحر الأحمر.
إذ نُقل عن القادة البحريين الغربيين بأنّ: "التطور اليمني مستمر ومذهل على الصعد كافة، سواءً لناحية التكتيك وأساليب العمل أم لناحية القدرات والمعدات المستخدمة، وهو ما ينسحب أيضًا على القدرات الاستخباراتية التي تفوق التصوّر".
لقد اكتشف الأميركيون أنّهم أمام جهد استخباراتي يَمني هائل يُدار بالذكاء الصناعي، هذه الميزة الحيوية ليست حكرًا عليهم؛ بل إنّ القوات المسلحة اليمنية تجيد استخدام التقنيات والبرمجيات التي تعالج كميات هائلة من البيانات من مصادر متعدّدة، مثل التقارير الاستخباراتية ومواجز أجهزة الاستشعار، ما يسهّل على قادة "أنصار الله" سرعة اتخاذ القرار.
في هذا السياق؛ أجرى "المعهد الملكي البريطاني للدراسات الإستراتيجية" دراسة خلص فيها إلى أنّ: "المتطرفين العنيفين متقدمون علينا بخطوة واحدة في استغلالهم الإنترنت، لذلك يتعيّن علينا تعطيل اتصالاتهم وتفكيك شبكاتهم الرقمية، ومنعهم من استخدام الإنترنت أداةً للترويج لسردية اليمن وحماس وحزب الله وغيرهم.
ويتطلّب هذا تعاونًا بين الحكومات وشركات التكنولوجيا والهيئات الدولية".
مع مرور الوقت، اكتشف العسكريون الأميركيون مزيدًا من التطور في الصواريخ اليمنية، والتي أخذت تطارد بوارجهم في البحر الأحمر، حيث يروي الضباط والجنود للمسؤولين الأميركيين الذين يتوافدون لزيارة حاملة الطائرات "آيزنهاور" في محطة نورفولك في فيرجينيا قصصًا وحكايات عن أيام الرعب وليالي الخوف، وشدّ الأعصاب التي عاشوها.
وفي هذا السياق، كتب موقع "ذا وور زون" العسكري الأميركي أنّ "آيزنهاور عادت أخيرًا من عملية البحر الأحمر، والتي انتهى بها الأمر إلى أن تكون واحدة من أخطر وأكثر العمليات إرهاقًا التي شهدتها الخدمة البحرية الأميركية منذ الحرب الكورية".
ونقل الموقع عن قائد "آيزنهاور" القول إنّ: "مواجهة الصواريخ الباليستية المضادة للسفن من اليمن، ستكون من ضمن الدروس للبحرية الأميركية للعمل على تطبيقها في المعارك المستقبلية".
آخر وجوه هذا التطور هو ما تجلّى في اكتشاف وجود صواريخ فرط صوتية - اليمن من الدول القليلة في العالم التي تمتلكها- وهذا يعني أن احتمال التملّص من أجهزة الإنذار المبكر ومنظومات الدفاع الجوي باتت أكبر؛ وهي الأهداف الأميركية التي كانت محميّة من الإصابة حتى الأمس القريب.
أما كيفية الإفادة من التكتيكات العسكرية، فيغطيها مجال واسع من الابتكار اليمني، من التضليل إلى الدفاع السلبي واستدراج القوات الأميركية إلى المكامن والإحداثيات الخطأ، والمرونة في نقل المعدات والقدرة على إخفائها، وإطلاق القدرات المعروفة الاستخدام بطرائق غير مألوفة، وتكوين قوالب صناعية لخطوط إنتاج معدات عسكرية تنسجم مع طبيعة الجغرافيا والتحديات المستحدثة، ودمج قدرات قديمة بأخرى جديدة.
نتيجةً لتعقّد الأزمة اليمنية؛ رأى موقع "أنهيرد" الإخباري البريطاني أنه: "إذا استمر الحصار اليمني، فذلك سوف يعني أمرين: الأول هو أن العالم بأسره سيتلقى دليلًا دراميًا على تزايد العجز العسكري والسياسي للغرب، وهو ما ستكون له تداعيات حقيقية على الديبلوماسية الغربية في مناطق مثل المحيط الهادئ.
والثاني، وربما الأهم، أن إجبار السفن على الدوران حول قناة السويس، وهي واحدة من أهم طرق التجارة في العالم، سيتجلّى في أزمات إمداد وارتفاع هيكلي في الأسعار، ولا سيما بالنسبة إلى الاقتصاديات الأوروبية".
هذا؛ وعبّرت وكالة "بلومبرغ" الأميركية عما وصلت إليه الأمور بالقول إنّ: "العام الماضي كان مليئًا بالمفاجآت، وأكبرها نجاح الحوثيين الذين لم يسمع بهم معظم الأميركيين من قبل، في هزيمة قوة عظمى، في أخطر تحدٍّ لحرية الملاحة البحرية منذ عقود".
كما عبر عنه موقع "هماكوم" الإخباري الإسرائيلي، حين قال إنّ: "الولايات المتحدة لم تتمكّن من هزيمة الحوثيين، وفشلها في البحر الأحمر يكشف حدود الهيمنة الأميركية في عالم اليوم، والأداء الضعيف للأساطيل الغربية".
في الواقع؛ أن الغرب يخرج، في الوقت الراهن، من حال الإنكار إلى الاعتراف بالفشل، ويرى أنّ الهجمات في البحر الأحمر هي أحداث تاريخية مؤسّسة لعالم ما بعد الهيمنة الأميركية.