الأخبار _ «إفلاس» في الكادر التعليمي
فاتن الحاجمَن «علق» في مهنة التعليم لضيق الخيارات يعضّ على الجرح، فيعزيه أنه يعلّم أولاده مجاناً في المدرسة التي يدرّس فيها، أو يعزّز دخله بالدروس الخصوصية التي ازدهر سوقها بسبب الفقدان التعلّمي لدى جيل ما بعد كورونا، أو يداوم في المدرسة صباحاً وفي مهنة أخرى مساء... «يلبد» المعلمون ولا يتحركون نقابياً للمطالبة بحقوقهم لانعدام البديل وخوفاً من خسارة وظيفتهم، كما حدث مع معلمة اللغة الفرنسية، مهى طوق، التي دفعت ثمن نشاطها النقابي، «فشطبت المدرسة 16 سنة أعطيتها من عمري وأساءت إليّ وإلى كثير من أساتذتها، واضطرتني للخروج من البلد بلا أي تعويض أو معاش تقاعدي».لم يعد التعليم المرهق فكرياً وجسدياً مهنة مغرية، فلا إقبال على أقسام أو كليات التربية في الجامعات التي أقفل بعضها هذه الكليات، ولا يجد الطلاب الذين أنهوا دراستهم ما يجذبهم إلى المهنة بالنظر إلى ما يحل بأساتذتهم المتقاعدين الذين لا تصل تعويضاتهم، بعد 40 سنة خدمة، إلى 5 آلاف دولار في أحسن الأحوال، أو يخرجون برواتب تقاعدية لا تتخطى 25 مليون ليرة شهرياً، في حال طُبّق «البروتوكول» مع وزارة التربية وضُرب أساس الراتب بـ6 مرات.
هذا العام، اتفقت نقابة المعلمين مع اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة على أن تكون المساعدة للأستاذ بالدولار الأميركي بما يوازي 65% من راتبه بالدولار في عام 2019. إلا أن قسماً كبيراً من المؤسسات التربوية، بما فيها المنضوية ضمن الاتحاد، لم يلتزم بالاتفاق، إذ قرّر بعضها دفع 35% أو 50% أو 35% من الراتب الأساسي بالدولار، أو مبلغ مقطوع يراوح بين 200 و500 دولار، رغم الزيادات الضخمة التي فرضتها المدارس على الأقساط هذا العام، إذ إن إحدى المدارس التي حدّدت القسط بـ 7000 دولار للتلميذ، قررت إعطاء المعلمين 45% فقط من الراتب الأساسي بالدولار. فيما قلة قليلة من المدارس الكبيرة تدفع مساعدات قد تتجاوز 1000 دولار وتصل إلى 2500 دولار. والمفارقة أن بعض المدارس تميّز بين مادة وأخرى، فتدفع لأستاذ مادة الرياضيات مثلاً أكثر من أستاذ مادة الفنون.
أصحاب الكفاءات يغادرون المهنة، ما ينعكس على نوعية التعليم ومستوى التلامذة
لذلك، وعند أول فرصة، بات المعلم في المدرسة الخاصة «يشمّع الخيط» ويغادر بلا أسف، ما أدى إلى نقص حادّ في عدد الأساتذة. ويتحدث رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمه محفوض عن «إفلاس» في الكادر التعليمي، إذ «تتلقّى النقابة يومياً عشرات الاتصالات من مدارس تحتاج إلى أساتذة في كل المواد التعليمية، وتردنا عشرات السير الذاتية لأساتذة لا يجدون عملاً في مهنتهم، فيلجأون إلى التعليم لفترة محدودة». ويعرب محفوض عن خشيته من أن «لا حدود للانهيار»، مشيراً إلى أن أعداد المعلمين تراجعت بنسبة 25% في العام الدراسي الماضي، وعاد منهم 5% هذا العام، لكن، في المقابل، غادر 10%». ولفت إلى أن «أصحاب الكفاءات هم من يغادرون المهنة، وهذا النزيف ينعكس حتماً على نوعية التعليم ومستوى التلامذة» الذي تراجع بصورة مخيفة، في المدارس الخاصة كما في المدارس الرسمية، وهو ما يؤكده انتعاش «سوق» الدروس الخصوصية وتكاثر مراكز التقوية التي بات الأستاذ يعتمد عليها أكثر من المدرسة، إذ تراوح أجرة ساعة التعليم الواحدة بين 20 دولاراً و50 دولاراً، ما يعكس فشل المدارس في تحقيق أهدافها التربوية.
أما الحراك النقابي فلا يلغي أن معلمي المدارس الخاصة متروكون لمصيرهم في المفاوضات المباشرة مع الإدارات، و«الشاطر بشطارتو»، وكأنّ المدرسة باتت «سوبرماركت» يخضع للعرض والطلب، حيث المعلمون مكسر عصا الإدارات المدرسية التي لم تتوقف يوماً عن مراكمة الأرباح.