صندوق مجالس الأهل: المساهمة ليست إلزامية
04 أيلول 2024

صندوق مجالس الأهل: المساهمة ليست إلزامية

نعمه نعمه

جرى قبل أيام التداول بتسجيل صوتي لمسؤولة إدارية في إحدى المدارس الرسمية في محافظة الشمال، تطلب فيه من أهالي التلامذة دفع رسوم التسجيل المفروضة في قرار وزير التربية عباس الحلبي الرقم 680/2024 تحت طائلة فصلهم من الدراسة. وأمهلتهم حتى الثلاثاء (أمس) لدفع 4 ملايين ونصف مليون ليرة للتلامذة اللبنانيين و9 ملايين ليرة للتلامذة غير اللبنانيين، في رسالة تهديدية واضحة.يبدو مستغرباً أن تسمح وزارة التربية بمثل هذه التجاوزات، في وقت تعدّ الرسوم، وفق القرار، مساهمة غير إلزامية، تحددها اللجنة الإدارية في مجلس الأهل تحت سقف القرار 680/2024. وهي، بذلك، تتجاوز صلاحيات اللجنة الإدارية لمجلس الأهل الذي يقرر هو، لا المدير/ة، الموازنة لصندوقه، ويحدد قيمة هذه المساهمة ضمن السقف المحدد. كما أن القرار لم يوضح أي إجراء بحق التلامذة المتعثرين ولا آلية السماح بتجاوز مجلس الأهل في إقرار الموازنة وتحديد المساهمة التي هي من صلاحيات مجلس الأهل، وتصادق عليها المنطقة التربوية أو مدير التعليم الثانوي.
هذا النوع من الممارسات يفرض تدخل التفتيش التربوي أو الوزارة، وخصوصاً أنها ليست المسؤولة الرسمية الوحيدة التي تتصرف على هذا النحو، فهذا نمط متكرر لدى بعض المديرين الذين لا يفقهون بصلاحيات الإدارة.
تجدر الإشارة إلى أن قرار الوزير تضمّن سياقاً من المخالفات لا تخلو من الخبث المضمر، نسرد منها: عدم ورود مصطلح «سقف» لقيمة مساهمة الأهالي. فالوزارة يُفترض أن تحدد سقفاً أو الحد الأقصى لمساهمة الأهل في صندوق الأهالي استناداً الى المادة 24 من نظام مجلس الأهل في القرار 2153/2007 («تحدد اللجنة الإدارية (مجلس الأهل) عند إعداد مشروع الموازنة قيمة المساهمة المالية للعام الدراسي المقبل، ضمن السقوف المحددة من وزارة التربية وفي ضوء توصيات الهيئة العامة (مندوبي أولياء الأمور»).
المخالفة الثانية في القرار تكمن في تجاوز الوزارة لما سبق أن أقرّه مجلس الأهل لقيمة المساهمة في حزيران 2024 كما نص عليه القرار 2153/2007 في المادة 26، بمعنى أن مجلس الأهل سبق أن أقر قيمة المساهمة ولم يذكر القرار 680/2024 وجوب إعادة إعداد موازنة جديدة لصندوق مجلس الأهل وتحديد قيمة المساهمة.
المخالفة الثالثة هي إجراءات وتهديدات بعض المسؤولين في المدارس والامتناع عن تسجيل التلامذة لعدم تسديدهم المبلغ المفروض، وهي إجراءات فردية لمديرين يجب أن يخضعوا للمحاسبة، إذ لا يحق لهم بموجب القوانين ومرسوم مجانية التعليم وإلزاميّته واتفاقية حقوق الطفل والدستور، الرفض أو الامتناع عن تسجيل تلميذ في مدرسة رسمية لأيّ سبب سوى عدم توفر مقاعد، أو لأسباب صحية أو نفسية محددة. أما الامتناع عن إلحاقه بالمدرسة لعدم تسديده المساهمة، فهو تجاوز للخطوط الحمر كافة، ومن ضمنها حق الوصول إلى التعليم.
المخالفة الرابعة: فيما تحدد المادة 23 من نظام مجالس الأهل السنة المالية لصندوق مجالس الأهل من بداية تموز حتى نهاية حزيران من كل سنة، يعقد مجلس الأهل آخر اجتماعاته في حزيران لمناقشة الموازنة وتحديد قيمة المساهمة، ويبدأ مجلس الأهل الجديد مهامه بين منتصف تشرين الأول ومنتصف تشرين الثاني، في حين أن القرار 680 صدر في 21 تموز 2024، أي فترة الفراغ ما بين انتهاء صلاحية المجلس القديم وانتخاب المجلس الجديد في تشرين الأول، ما يشير إلى نية مبيّتة لفرض القرار وتجاوز أيّ اعتراض من أولياء الأمور، إذ تكون صلاحيات مجالس الأهل انتهت ولم يتم بعد انتخاب المجلس الجديد.
اللافت في التسجيل الصوتي المشار إليه فرض لباس مدرسي بقيمة 30 دولاراً على كل تلميذ، وهو أمر يتجاوز أيضاً صلاحيات مجلس الأهل وإمكاناتهم المالية، بمعنى آخر، يفرض على عائلة لديها 3 أولاد في مدرسة رسمية دفع 240 دولاراً أميركياً للوصول إلى حق التعليم، وهو مبلغ يتجاوز الحدّ الأدنى للأجور، من دون احتساب القرطاسية والكتب وكلفة النقل وغيره. فيما الملتحقون بالمدارس الرسمية هم من الفقراء والأكثر فقراً، ومعظمهم يحتاجون إلى الدافعية للاستمرار في التعليم من دون تكبيدهم مصاريف إضافية تدفعهم إلى التخلي عن التعليم بسبب الكلفة العالية. وهذا أخطر تداعيات فرض القرار 680/2024 من دون مواجهة من أولياء الأمور وإعادة توجيه القرار لضمان تسهيل وصول الأطفال إلى مقاعد دراسية وليس العكس.
ومنعاً للالتباس، صندوق المدرسة وصندوق الأهل تم توحيدهما في صندوق واحد في القرار 228/1998 بإشراف لجنة إدارية من المدير ومعلمين من الملاك، وتموّله الخزينة العامة ببند يرد سنوياً في الموازنة العامة التي تشمل: بدل إعفاء التلامذة من رسوم الأهل، ودعم تدريس المواد الإجرائية، ودعم مجانية الكتاب المدرسي. أما ما يسمى بصندوق مجالس الأهل، فهو صندوق مختلف عن الصندوقين السابقين ويديره مجلس الأهل، والإنفاق منه مشروط ببعض المجالات التي تعود بفائدة مباشرة على التلامذة لأنشطة غير تعليمية. وقد حددت المادة 25 من القرار 2153/2007 الإنفاق منه على: الرعاية الصحية أي التأمين، تقديم المساهمات العينية والمادية للفائزين الأوائل، تقديم المساعدات على أنواعها للتلاميذ الأيتام وذوي الحاجة والمتفوّقين، شراء تجهيزات ووسائل تربوية لم تؤمنها الوزارة، وكل ما يسهم في تحسين جودة التعليم كدورات التقوية أو دورات صيفية، وتغطية نفقات النشاطات غير المنهجية كالنوادي والرحلات وغيره.
إذاً، لدينا صندوق المدرسة بإدارة المدير يحدد الوزير أوجه الإنفاق منه وتموّله الخزينة العامة، وصندوق مجالس الأهل بإدارة مجلس الأهل في حساب مصرفي منفصل يتم تمويله من أولياء الأمور والتبرعات العينية والنقدية، ومساهمات الجهات الرسمية، ولا ينفق منه على تشغيل المدرسة أو الرواتب والأجور أو الاقتراض منه لصندوق المدرسة، بل على التأمين الصحي للتلامذة والأنشطة اللامنهجية والمكافآت والمساعدات لبعض التلامذة. وهذه أمور يحددها ويقررها مجلس الأهل بالتنسيق مع الإدارة. ويمكن لمجالس الأهل أن تكتفي بتحديد مساهمتها حصراً للتأمين الصحي لضرورته وتستثني أيّ مجال آخر بسبب الأزمة الاجتماعية من دون أن تخالف القانون، كما يمكن لمجلس الأهل أن لا يلتزم بالزيّ المدرسي أو أن يؤمن لباساً بكلفة أقل، ويموّل صندوق مجلس الأهل من بيع اللباس المدرسي، وأن لا يستجيب الأهالي لأيّ ضغوط لشراء كتب كون الكتاب المدرسي مموّلاً من الخزينة، ومسؤولية الدولة تأمينه مجاناً لكل التلامذة.
على الأهل التضامن والتضافر لحماية حق أبنائهم في الوصول إلى التعليم، وتحديد حاجاتهم في مساهمات في صندوق مجلس الأهل ووجهة استعمالها ضمن السقف الأقصى للقرار 680/2024 وأن لا يسمحوا بالإنفاق منه لحساب صندوق المدرسة، كما حصل في السنوات السابقة.

 

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen