مخاوفٌ شمالية من الإنتخابات البلدية: مُبرّرة أم مُضخّمة؟
عبد الكافي الصمدقبل أقلّ من شهر نُقل عن مسؤولين أمنيين في طرابلس والشّمال، يتولون مهاماً في أجهزة أمنية مختلفة، مخاوفهم من إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في شهر أيّار المقبل، كما هو مفترض، نظراً للإشكالات والإنقسامات التي تسبقها وترافقها وتعقبها، الأمر الذي يفترض إستنفاراً أمنياً واسعاً لمواكبتها.
هذه المخاوف الموجودة في طرابلس والشّمال أكثر من أيّ منطقة لبنانية أخرى، برّرها المسؤولون الأمنيون بـ"غياب الأحزاب والتيّارات والقيادات السّياسية في هذه المناطق، القادرة على الإمساك بالقواعد الشّعبية فيها، وضبطها"، وتحديداً في طرابلس والضنّية والمنية وعكّار، بعد عزوف تيّار المستقبل والرئيس سعد الحريري عن العمل السّياسي، ما ترك فراغاً كبيراً، قبل أن يعقبه عزوف مماثل لتيّار العزم والرئيس نجيب ميقاتي، تاركين السّاحة في هذه المناطق، ذات الغالبية السنّية، للعائلات وعصبياتها، والزعامات والقيادات ذات الطابع المحلي الضيّق.
مصدر أمني مُطّلع ضرب لموقع "06News" مثالاً على تلك المخاوف، هو ما حصل في بلدة القرقف العكارية، التي تسبّبت خلافات فردية وطموحات شخصية بين أبناء العائلة الواحدة، هي عائلة الرفاعي، في قيام رئيس البلدية يحيى الرفاعي، بالتعاون مع آخرين، بقتل قريبه وإمام مسجد البلدة الشيخ أحمد الرفاعي الذي عُثر على جثته في 26 شباط الماضي، بعد أن اختفى عن الأنظار خمسة أيّام، ما أثار بلبلة كادت تؤدّي إلى ما لا تحمد عقباه، قبل أنّ يتبين أنّ رئيس البلدية أقدم على ارتكاب جريمته، بسبب خلافات عائلية وشخصية بينه وبين الشيخ، يدور أغلبها حول التنافس على رئاسة البلدية.
هذا المثل شكّل دافعاً كبيراً لأنْ يُبرّر كثيرون، سياسيون وأمنيون وفاعليات ومراقبون، مخاوف تنتابهم من إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في موعدها المرتقب بعد أقل من شهرين، بانتظار ظروف أفضل وأكثر هدوءاً، لأنّ الصّراعات العائلية في أغلب بلديات المناطق المذكورة سوف تجعل هذه الإنتخابات تتحوّل إلى حروب ضروس، في ضوء غياب أي قوّة أو جهة سياسية يمكنها الإمساك بالوضع وفي عدم خروجه عن السّيطرة، والمعاناة التي سيجدها الجيش اللبناني والقوى والأجهزة الأمنية في الحفاظ على الحدّ الأدنى من الإستقرار الأمني في هذه المناطق، كونها تعاني من صعوبات عديدة على خلفية تداعيات الإنقسام السّياسي في البلد بسبب الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية، والأزمة الإقتصادية التي تركت آثاراً معيشية سلبية على أفراد المؤسّسات الأمنية كما على باقي المؤسّسات والقطاعات العامّة والخاصّة على السواء، إلى جانب الإنفلات الأمني والإشكالات التي تحصل يومياً في هذه المناطق، التي تستنزف الأجهزة الأمنية وتصيبها بالإرهاق.
غير أنّ المخاوف في طرابلس والشّمال من إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في هذه الظّروف قبل تبريد الأجواء، لا تقتصر فقط على البلديات في المناطق ذات الغالبية السنّية، إنّما تمتد أيضاً إلى بلديات في مناطق ذات غالبية مسيحية ينتظر بقوة أنْ تشهد صراعاً حامياً بين القوى الرئيسية، وهي التيّار الوطني الحرّ والقوّات اللبنانية وتيّار المردة تحديداً، وهو صراع قد يخرج من عقاله إذا ما غاب التوافق عنها، وفي حال حصول إستفزازات وإشكالات ولو كانت تافهة.
أكثر من ذلك، فإنّ الأزمة الأخيرة حول التوقيتيْن الصّيفي والشّتوي، التي دفعت البلد نحو حافّة الهاوية ووضعته على مشارف حرب أهلية، ستترك تداعياتها الخطيرة على بلديات مختلطة، إسلامياً ومسيحياً، وهي تداعيات تحتاج إلى وقت لمعالجتها، وإزالة رواسبها، من أجل الحفاظ على الحدّ الأدنى من التوافق والعيش المشترك الذي أصبح مهدّداً كما لم يكن من قبل، بفعل الإحتقان السّياسي والطّائفي والمذهبي الذي غذّاه ويغذّيه قيادات سياسيّة ودينية في سبيل الحفاظ على مصالحهم وزعاماتهم.