المسحراتي موروث رمضاني ينحسر
سمية موسى"اصحى يا نايم وحّد الدايم" عبارة جميلة دائماً ما تتردد على لسان "المسحراتي" الذي يجوب الحارات والأزقة لإيقاظ الأهالي على إيقاع الطبلة على السحور خلال شهر رمضان المبارك
في عكّار، ولطالما ارتبط "المسحراتي" بعادات وتقاليد الزمن الجميل المصاحبة للشهر الفضيل، والذي لا يمكن نسيانها أو اختزالها من الذاكرة الشعبية رغم انحسارها.
هناك أمر تجدر الإشارة إليه وهو بالكاد تجد من يمارس مهنة "المسحراتي". ففي ظلّ أوضاع صعبة يعيشها كغيره من اللبنانيين، يتراجع عدد المسحراتية في الشوارع والأحياء؛ خصوصاً أنّ مشكلات كثيرة تواجههم. فعلى وجه الدقة المهنة باتت تتطلب التنقل بين الأحياء بواسطة السيارة، أو الدراجة النارية (الموتسيكل) بسبب المساحات الواسعة التي يغطيها عدد قليل من المسحراتية بعد أن قلّت أعدادهم، حتى السيارة أصبحت وسيلة غير متاحة في ظل ارتفاع أسعار الوقود. كما أنّ تجول المسحراتي سيراً على الأقدام، بات محفوفاً بالمخاطر في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي. فصاحب هذه المهنة يخاف أن يخونه بصره في الظلام الحالك، فيقع أرضاً.
من ناحية أخرى صار المردود المادي لأصحاب المهنة هذه قليلة جداً نسبةً إلى الأزمة الاقتصادية الحالية، وغالباً ما تكون على هيئة عيديّة يتكرّم بها سكان الأحياء الفقيرة على "المسحراتي" إلا أنّ بعض الأحياء تكون عمل تطوعي من شباب الحيّ لا يُؤخذ لقائها أي بدل مادي.
وانطلاقاً من ذلك تحدثنا مع المسحراتي "أحمد" الذي يجول في شوارع إحدى القرى العكاريه: "كان والدي هو المسؤول عن عادة التسحير في شهر رمضان وكنت أتجّول معه في شوارع القرية بهدف إيقاظ الجميع على السحور، وأنا اليوم يرافقني إبني ليتوارث هذه العادة الفضيلة من بعدي.. فهي تراث لا يمكننا أن نستغني عنها.."
قال محمد لموقع "06”: وهو مسحراتي آخر أيضاً “كنت في الماضي أتنقّل سيراً على الأقدام، ولكن عندما ازدادت أعداد البيوت بت أستخدم سيارتي. ولكنني اليوم لجأت إلى الدراجة النارية؛ لأنّ مصروفها للوقود معقول في ظلّ أسعار المحروقات المرتفع، وفي ظلّ انقطاع التيار الكهربائي في لبنان؛ اضطر أن يعود محمد إلى فانوس والده القديم.. ويوضّح: «من المخيف التجوّل سيراً على الأقدام في ظلّ عتمة تامة. حالياً، صرت أحمل فانوسي كي أضيء طريقي، وهو عزيز على قلبي؛ لأن والدي كان يستخدمه من قبلي، وهو يعمل على مادة (الكاز).
بالإضافة إلى ذلك يعرف محمد أسماء العائلات التي تسكن الأحياء الخمسة التي يزورها، حتى أنه ينادي بأسمائهم فيقول عن ذلك: «إنّهم يتفاعلون معي، ويستيقظون، ويلوّحون لي من شرفات منازلهم، ثم يتناولون السحور، ومن ثم ينصرفون إلى الصلاة بعدها، أي نحو الخامسة فجراً».
إنّ المسحراتي وظيفته روحية تقاس ببثّ البهجة في قلوب الناس وتذكير الغافلين عن هذا الشهر، وترقيق قلوبهم نحو الصيام، وتعمل على تثبيت العادات والتقاليد الحميدة، فيا حبذا لو تشدّ بلديات القرى والمدن على يد "المسحراتية" لتخصص لهم دخلاً يعينهم على إتمام مهمتهم الروحية فتزدهر هذه العادة الحميدة.