هل نحلم بشارع طرابلس باسم أسعد أو عبداللّه حمصي ؟
روبير فرنجيّةليست مفارقة ولا صدفة قاسية أن يصاب أسعد في الحياة بشيخوخته بمرض، أسعد في التّمثيل أي النّسيان هو الّذي طالما سأل "وين عويناتي " ليكتشف بعد تفتيش أنّها على رأسه .
عبداللّه حمصي هذا النّجم العربيّ المميّز في التّراجيديا والكوميديا الّذي أنجبته طرابلس وظلّ وفيًّا لها ، يحرس قلعتها "جارته " أمام دُكّانه الصّغير في إجازة التّصوير .
هذا " الختيار " ابتعد عن ضجيج المدينة بل ضجيج المدن ليُنقذ ما بقي من ذاكرته رغم أنّ اسمه انحفر حفرًا في ذاكرتنا .
أبو رشيد ودويك وصهر أبو سليم وعضو فرقته ورفيق الرّحابنة بقي على طيبته ولم تسرق نجوميّة بيروت طيبته وشماليّته وعفويّته .
في كلّ مرّة نمرّ أمام بيته تستيقظ صوره ومشاهده ونوادره في أذهاننا كأنّه غَيَّر جملته الشّهيرة لتصبح في سنواته الأخيرة : "صَبحِك بالخير Bonjour ستنا طرابلس" .
حارس قلعة طرابلس هو حارس فيلم "بنت الحارس " صالح سنة١٩٦٨ وهو أيضًا أسعد الأسعد في فيلم " سفر برلك" ومن منّا لا يصدح في وجدانه موّال " عيني ما تشوف النّوم " ؟ .
شاهدته مرارًا يبكي في جلساتنا رفاق دربه، من فهمان ودرباس وأمين وجميل وصولًا إلى فريال كريم .
شاهدته على مسارح طرابلس في مسرحيّة " كُلّو من لُلّو " كأنّه على أهمّ مسارح أمريكا لشدّة فرحه بأنّه في مسقط رأسه .
سمعته يتحدّث مُفتخرًا ليلة نيله جائزة التّفّاحة الذّهبيّة في مهرجان سينمائيّات إهدن كأنّه في مهرجان كان أو الأوسكار .
رأيته مع أبناء الشّمال، من وليد توفيق إلى عبد الكريم الشّعار إلى أُسرتَي بندلي والنّعيمي إلى سميرة بارودي وفائق حميصي و سلطان ديب وليلى قمري وتوفيق المصري كأنّه على تلفزيون لبنان في بطولة " سيّارة الجمعيّة " .
عبداللّه حمصي الّذي كتب له الشّاعر جورج يمّين عشرات الحلقات الانتقاديّة لبرنامج " أسعد عالهوا " من إذاعة إهدن في تسعينيّات القرن الماضي، كان سخيًّا بإطلالته المسرحيّة دعمًا للأعمال الخيريّة ومُحِبًّا لمسرح الأولاد .
أذكر سنة ١٩٩٣ طَلبتُ منه المشاركة بإحياء حفلة الأولاد في زمن الميلاد على مسرح معهد دلاسال كفرياشيت ولم يكن بين يديه نصًّا ،
وافق دون تردّد قائلًا : منخدم الشّمال بدون " فلس أو ملين " .
المُفاجَأة كانت: أنّه استطاع بتمثيليّة واحدة من دقائق أن يتفاعل بشرواله وطربوشه ونظّاراته ورقصته ولكنته مع الأولاد لساعة ونصف السّاعة .
من بقي من فرقة النّجّارين المبدعين المحترفين بعالميّة اليوم غير البخيل شكري شكراللّه ( صلاح صبح ) وعميد الفنّانين صلاح تيزاني ( أبو سليم ) والزّغلول المحتال ( فؤاد حسن ) ويا سعيد السّاذج ومن يحلم بعودتهم .
عبداللّه حمصي قصّرت الدّولة معه كثيرًا كما قصّرت مع مسقط رأسه تاريخيًّا .
لم يكن على عهد أخير فقط واجب تكريمه بوسام بل على كلّ العهود الأخيرة .
هو اليوم يعاني من " نعمة النّسيان " لكنّ الرُّؤساء لا يعانون .
شارع في طرابلس باسمه أو مستديرة أو خشبة مسرح أفضل من مليون درع .
- من هو أسعد ؟الفنّان الكوميديّ القدير "عبداللّه سليم الحمصي" ولد في طرابلس. كان والده يمتلك مصنعًا للقشدة، وما إن أنهى دراسته للمرحلة المتوسّطة "البريفيه" حتّى التحق بالعمل في مصنعه... وكان مُحبًّا للرّيّاضة بشكل عامّ وريّاضة كمال الأجسام بشكل خاصّ والّتي احترفها فحاز على بطولة الشّمال في العام 1955.
قِلّة تعرف اسمه الحقيقيّ، أو لنقل أنّها لم تسعَ أبدًا لمعرفة اسمه الحقيقيّ. كانت لتكتفي بـ"أسعد"، أو بـ"دويك". هكذا حفظته الذّاكرة اللّبنانيّة الجماعيّة. "
عبداللّه الحمصي" من الرّواد ومن كبار الممثّلين الكوميديّين في لبنان – استطاع أن يترك بصمات مُذهّبة في ذاكرة الفنّ اللّبنانيّ، وقد عرفه في البدايات من خلال فرقة "أبو سيلم الطّبل"، الّتي كان يعود لها الفضل في انطلاقته الأولى.
تجربة "عبداللّه الحمصي" الفنّيّة لم تنحصر فقط ضمن أعمال فرقة "أبو سليم" المسرحيّة والتّلفزيونيّة (صلاح تيزاني هو شقيق زوجته هدى). من واكب مسيرته يدرك أنّ الفنّان عبداللّه الحمصي قد عَمّق تجاربه في التّراجيديا كما في الكوميديا وكان صادقًا بضحكته وبدموعه .
وهبه اللّه النّعم ليُضحكنا ويُبكينا على السّواء.
أعمال كثيرة حملت حصرًا توقيعه وقد حقّقت نجاحات مهمّة على المستوى الشّعبيّ.
من لا يذكر مثلًا مسلسل "دويك يا دويك" للكاتب أنطوان غندور، "رصيف الباريزيانا"، و" المنتقم" لإحسان صادق، أو دوره في مسرحيّة "قضيّة وحراميّة" مع "دريد لحّام"، و"سيّارة الجمعيّة" مع فرقة "أبو سليم" وفيلم "بونجور ستنا بيروت"، "زنّار نار"، مسلسل "مالح يا بحر" الّذي جَسّد فيه دورًا رائعًا لابن طرابلس الكاتب المرحوم مروان العبد من إخراج ليليان بستاني .
لم ينقطع أسعد عن التّلفزيون وعاد بالجزء الثّاني من مسلسل "دويك 2000" و"الزّمن دولاب"، "أبو سليم في المسامير" .... وغيرها الكثير من الأعمال.
بدأ مسيرته الفنّيّة وهو في سنّ الخامسة عشر حيث كان يشارك في الأعمال الفنّيّة لكشّافة الجرّاح مع "صلاح تيزاني"، وحين أسّس "أبو سليم" فرقة "كوميديا لبنان" كان "أسعد" أبرز أعضائها، وقد عُرف بشخصيّة القرويّ البسيط الطّيّب والعفويّ الّذي ينسى باستمرار، فيرسم ابتسامة عريضة على شفاه جمهوره.
"عبداللّه الحمصي" مثال الفنّان الملتزم قضايا النّاس والشّعب؛ أوليس "الفنّان ابن الشّعب؟ " (كما يقول). يعتبر أسعد أنّ معظم الأعمال الّتي قدّمتها فرقته – فرقة الفنون الشّعبيّة – كانت أعمالًا ملتزمة وموضوعاتها مستوحاة من صميم معاناة الشّعب .
من وقف أمام فيروز ونصري شمس الدّين وتعاون مع عاصي ومنصور الرّحباني ودريد لحّام وصلاح تيزاني وأبدع يستحقّ التّكريم بعيدًا عن الدّروع النّحاسيّة أو الفضّيّة بأحسن الأحوال !.