بعد عشرة أشهر على "طوفان الأقصى".. ما هي خسائر "إسرائيل" الاستراتيجية؟
كَتب المُحرّربعد مرور عشرة أشهر على عملية "طوفان الأقصى"، اتّضح أن "إسرائيل" مُنيت بهزيمة استراتيجية على الصّعد كافة.
وبات عليها من الصّعب تخطّي تداعيات هذا الزلزال المدوّي الذي أصاب أسطورتها الأمنية والعسكرية والاستخبارية في مقتل، وفضح صورتها الإجرامية أمام العالم أجمع بعد أن تلطّت طويلاً وراء شعارات الديمقراطية، وسوّقت لنفسها على أنها المظلومة والمضطهدة والمحبة للسلام والتعايش مع الآخرين.
مع دخول الحرب الإسرائيلية البربرية على قطاع غزة شهرها الحادي عشر، ومع انتشار صور المجازر والدمار والمجاعة في القطاع، بدا للبعض أن حركة حماس والفصائل المقاتلة معها قد ضعفت عزيمتها على القتال، وأنه قد قُضي على تبقى من القضية الفلسطينية.
لكن على الرغم من التكلفة البشرية والمادية العالية التي دفعها القطاع المحاصر، إلا أن تقويم الأرباح والخسائر على المدى القصير في غزة لا يمكن أن يلغي الخسارة الاستراتيجية التي تعرضت لها "إسرائيل"، والتي يستمر في التحذير منها كل من الرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير حربه لويد أوستن الذي حذّر الكيان الصهيوني من إبدال النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية.
لكن بما أن المعركة العسكرية الجارية في غزة لمّا تنتهِ بعد، يمكن القول إن خسائر استراتيجية وقعت ـ وستلحق بـ"إسرائيل" بعد هذه الحرب؛ وما تكشّف حتى الآن أن الجبهة الداخلية في كيان العدو بدأت تتفكك جرّاء تعرّضها لصدمات قاسية ومؤلمة على جميع المستويات الاقتصادية والعسكرية والأمنية، إذ ظهرت أولى تداعياتها في وضع المستوطنين النفسي والاجتماعي، خاصة الذين هجروّا من مستعمرات غلاف غزة والشمال، ولم يعد بإمكانهم العودة الى منازلهم ومدارسهم كما وعدتهم حكومتهم بفعل صواريخ المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
هذا فضلًا عن الخسائر الفادحة التي تعرضت لها جميع القطاعات الصناعية والزراعية والمصرفية.
ما زاد من تفاقم وضع العدو الداخلي، اهتزاز ثقة الإسرائيليين بمنظومتهم الأمنية والعسكرية وقدرتها على حمايتهم التي لطالما تبجّحوا بها، حتى وصلت الأمور بغالبيتهم الى الثقة بأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله أكثر من ثقتهم بقادتهم، وخاصة بعد أن استطاع الأخير فرض شروط الاشتباك الخاصة به من خلال إنشاء منطقة عازلة شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ونتيجة لذلك؛ ظهرت للعلن الخلافات بين المستوطنين والمؤسستين العسكرية والسّياسة حول عدد من الملفات الحساسة، مثل إدارة الحرب والأسرى والتجنيد داخل الجيش الذي بدأ ينهار نتيجة النقص في العتاد والأفراد بعد تفاقم أعداد القتلى والجرحى والفارين منه.
أما على الصعيد الخارجي؛ فكانت خسائر كيان الاحتلال الاستراتيجة كبيرة جدًا مع أن مفاعيلها المستقبلية لمّا تظهر بعد؛ إذ بدأت استراتيجية الردع تفقد قدرتها وهيبتها.
وبات من الصعب الحفاظ عليها أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع الرؤوس الحربية الإيرانية واليمنية والعراقية التي حلّقت فوق سماء فلسطين وأشعلت البحر الأحمر في ترجمة عملية لـ"وحدة الساحات".
وهذا ما جعل من هالة "إسرائيل التي لا تقهر" تهتّز بشدة، ما تسبّب بأضرار ضخمة لمصالح الأميركيين على مستوى المنطقة والعالم ودفعهم الى محاولة تدفيع دول محور المقاومة الأثمان لضمان النصر لليهود.
في هذا السياق تقول مصادر إسرائيلية مطلعة إن اسباب عدم تصعيد جيش الاحتلال تجاه لبنان كبيرة، أولها الأضرار الفائقة التي لحقت ببنيته التنظيمية والعسكرية، ما يجعله غير مؤهل لخوض أي حرب واسعة مع حزب الله تحديدًا، خصوصًا أنه استخدم معظم إمكاناته خلال الشهر السابقة في الوقت الذي لم يكشف الحزب إلا عن جزء بسيط منها.
على صعيد آخر، أدى "طوفان الأقصى" إلى إحياء القضية الفلسطينية على المستوى العالمي من جديد بعد أن تعرضت لنكسات كبيرة على مدى عقود.
فقد عمّت المظاهرات غالبية الدول الغربية مطالبة بوقف العدوان على غزة، وكان أبرزها احتجاجات الطلاب في الجامعات الأميركية، ما أكسب هذه القضية تعاطفًا لدى العديد من الشعوب التي أخذت صورة "إسرائيل" وداعمتها الولايات المتحدة تتبدل في نظرها بعد مشاهد القتل والتجويع والإبادة في غزة، وخاصة شعوب العالم الإسلامي التي رأبت الصدع السني - الشيعي في ما بينها.
لعل أحد الأمثلة على الهزيمة الاستراتيجية الإسرائيلية هو قرار محكمة العدل الدولية الابتدائي الذي وجد "معقولية" لادعاء جنوب أفريقيا على "إسرائيل" بأنها ترتكب "إبادة جماعية" في غزة، وأن الفلسطينيين يحتاجون إلى حماية، وأن على "إسرائيل" الالتزام بما تمليه عليه التزاماتها في "اتفاقية منع إبادة الجنس" الصادرة في العام 1951، والموقّعة عليها نفسها.
هذا إضافة؛ إلى قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت بتهمة تحمّلهما "مسؤولية ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
وهذان القراران يعدّان سابقة وخطوة متقدمة في حصار كيان الاحتلال وعزله في المحافل الدبلوماسية والقانونية الدولية، وكشف طبيعته العنصرية.
كل هذه الخسائر التي تعرضّت لها "إسرائيل" بعد عملية "طوفان الأقصى" حتى الآن ليست إلا تفصيلاً، في مسارها الآيل للزوال في المنطقة والعالم، وخاصة أن حرب غزة وجبهات مساندتها من محور المقاومة أثبتت للشعوب العربية أن "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت".