كيف الخروج من ورطة التوقيتين؟
عبد الكافي الصمدبعد نهاية ولاية الرئيس الأسبق للجمهورية أمين الجميل في 22 أيلول 1988، وتعيينه قبل دقائق من مغادرته قصر بعبدا حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش حينها العماد ميشال عون رئيساً لها، تنازعت تلك الحكومة حينها الشّرعية الدستورية والصلاحيات مع حكومة الرئيس سليم الحص التي أوكلت إليها مهمّة صلاحيات الحكومة بعد اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي في 1 حزيران عام 1987، ما أدّى إلى انقسام البلاد بين حكومتين، وهو إنقسام لم ينتهِ إلّا بعد حربين شنّهما عون في مواجهة الجيش السّوري والقوّات اللبنانية، قبل التوصّل إلى اتفاق الطائف الذي أطاح بعون وبحكومته، وأنهى الحرب الأهلية واستقرار الوضع في البلاد بعدها.
هذا الإنقسام الذي عايشه كثير من اللبنانيين حينها يكرّر نفسه اليوم، إنّما من غير وجود حكومتين تتنازعان الشّرعية الدستورية والصلاحيات، وهو جاء نتيجة فراغ في سدّة رئاسة الجمهورية في المرتين: الأولى بعد تعذّر إنتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للجميل نتيجة الإنقسام السّياسي الحاد الذي كان قائماً حينها؛ والثانية بعد انتهاء ولاية الرئيس السّابق ميشال عون في 31 تشرين الأوّل الفائت، وانقسام سياسي حاد، فكانت أزمة بدء اعتماد التوقيت الصيفي أو الإبقاء على التوقيت الشّتوي حتى نهاية شهر رمضان الحجّة التي زادت من حدّة الإنقسام، ووضعت البلاد، ليس أمام حكومتين على غرار ما حصل نهاية الثمانينات، إنّما على نحو أخطر من ذلك، بعدما أفرزت الأزمة إنقساماً عمودياً بين مجتمعين، واكثر، يربطهما كيان سياسي هشّ ومتصدّع.
لكنّ أزمة التوقيت هذه كشفت عن أكثر من خلل في التعاطي معها ومقاربتها من قبل المؤيّدين والمعارضين على حدّ سواء، وتركزت أبرز مكامن الخلل في النّقاط التالية:
أولاً: إرتكب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ومعه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، هفوة دستورية كان يمكنهما تجاوزها وإعادة تصويبها بسهولة وهما الخبيران بالسّلطة والدستور، ولكل منهما تجربة واسعة وطويلة في الحكم. فبدء العمل بالتوقيت الصيفي أو الشّتوي قرار تتخذه الحكومة ولا يصدر عن الأمانة العامّة لمجلس الوزراء، ولا عبر قرار إرتجالي كالذي حصل بينهما وجرى تصويره وتسريبه إلى وسائل الإعلام، وهذه الهفوة كان يمكن تداركها بالعودة عن القرار المتسرّع، والإبقاء على مواعيد التوقيتين كما هي، وقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر، الذين كانوا ينتظرون هكذا دعسة ناقصة لاستغلالها سياسياً وشعبوياً وشخصياً.
ثانياً: أحدثت الخطوة إنقساماً واسعاً، ليس بين مكونات الشّعب اللبناني فقط، إنّما بين فرقاء الحكومة. إذ سارع وزراء إلى رفض الإلتزام بالقرار،كما أعلنوا تمرّدهم عليه، وآخرهم كان وزير التربية عبّاس الحلبي الذي أعلن، الأحد 26 آذار الجاري، إعتماد التوقيت الصيفي في المؤسسّات التربوية، الرسمية والخاصة، وسط إنقسام بين هذه المؤسّسات بين التوقيتين، ما شكّل ضربة لحكومة ميقاتي كانت بغنى عنها.
ثالثاً: تجاوز خطاب الفريق الرافض تأخير العمل بالتوقيت الصّيفي حتى نهاية شهر رمضان كلّ الحدود، وكشف عمق واتساع الهوّة بين مكوّنات البلد السّياسية والطّائفية، واستغلت الأزمة وكأنّ مصير ومستقبل البلد متعلق بها، وسط إصطفاف طائفي بغيض أعاد التذكير بالأجواء السّوداء التي سبقت إنفجار الحرب الأهلية عام 1975، برغم أنّ هذا الفريق بكلّ مكوناته لم يستنفر بهذه الحدّة وبهذا الحجم في مواجهة الأزمة المالية والإقتصادية والمعيشية التي جعلت البلاد تنهار إلى حدّ باتت معه مهدّدة بالإختفاء عن الخارطة.
رابعاً: حجبت هذه الأزمة، التي اعتبرها البعض مفتعلة وآخرون نظروا إليها على أنّها تافهة وسطحية، أزمات مصيرية أخرى، من ملء الفراغ في رئاسة الجمهورية، إلى ما أصاب الحكومة من شلل حتى في مجال تصريف الأعمال الذي كانت آخر مظاهره أن أعلن ميقاتي عن تأجيل جلسة الحكومة التي كانت مقررة الإثنين 27 آذار الجاري، والتي كانت ستبحث وتقرّ قرارات عاجلة وهامّة. كما حجبت أزمة التوقيت، ولو بشكل مؤقت، تداعيات الأزمات الخانقة في البلاد، والإضرابات العامّة والمفتوحة في مختلف القطاعات، ومصير الإنتخابات البلدية والإختيارية المرتقبة في أيّار المقبل، وملفات شائكة أخرى.
كلّ ذلك شكّل دافعاً لطرح تساؤلات عن كيفية الخروج من هذه الأزمة، وحول السبيل في إعادة عقارب السّاعة إلى طبيعتها من غير أن تجد أجوبة عليها، في بلد أصبح بفعل أزماته وفشل وفساد سياسييه خارج الزمن منذ زمن.