الدّيار _ من نزاع جيراني الى أسرار تعيينات الشرطة المظلمة
أمل سيف الدينفي غمرة تفاصيل الحياة اليومية، تكشفت صدفة قصة مثيرة تتعلق بتعيين قائد شرطة طرابلس. بدأت الحكاية من شرفة صغيرة في طرابلس حيث واجه شاكر طالب مشكلة تبدو بسيطة مع جاره، لكنها سرعان ما تحولت إلى سلسلة من الأحداث الغامضة والمريبة. من هنا، أخذت الأمور منعطفاً غير متوقع، حيث بدأت تتكشف حقائق صادمة حول تعيينات غير قانونية وقرارات أمنية مبهمة.
فكيف يمكن لشكوى عادية أن تفتح أبواباً على عالم من الأسرار والخفايا؟ في هذه القصة، كل تفصيل يحمل وراءه حكاية، وكل حكاية تكشف عن شبكة معقدة من التساؤلات حول نزاهة وشفافية السلطة.
القصة بالتفصيل!
في منطقة القبة بطرابلس، يقطن شاكر طالب في الطابق الثاني، بينما قام جاره المقيم في الطابق الأول، بتحويل خيمة قرميد على شرفته إلى سطح باطون، وتسكيرها بالزجاج. هذا التعديل غير القانوني جعل شرفة منزل طالب مستباحة، بحيث يستطيع أي شخص الدخول إلى منزله من خلالها.
فدفع هذا الوضع شاكر طالب لتقديم شكوى لدى شرطة بلدية طرابلس، والتي سجلت بالرقم 715 في تاريخ 27-11-2023. مضمون الشكوى كان: "قام المدعو قاسم أسعد المقيم بالطابق الأول بجلب سقالة وتركيبها بنية صب السقف باطون وتبليطه، مما يسهل لأي شخص دخول منزل طالب ساعة ما يشاء".
فاستجابت البلدية للشكاوى، حيث قامت بالكشف على العقار وتوثيق المخالفة، ومن ثم إحالتها إلى دائرة المباني والهندسة المختصة. ومع استمرار طالب في متابعة الشكوى، صدر قرار من دائرة المباني والهندسة بإزالة المخالفة فوراً. وعند سؤال طالب عن موعد التنفيذ، جاءه الجواب: "يجب أن نتفق مع شرطة البلدية، وفي حال لم نقدر على إزالة التعدي سنضطر إلى مؤازرة قوى الأمن".
إلغاء التنفيذ: لغز امتناع
قائد الشرطة وتأجيل إزالة المخالفة
ومع مرور الوقت، ومراجعة طالب المستمرة لشرطة البلدية، تم التوافق على موعد لإزالة المخالفة، وذلك بعد الاتصال بدائرة التنفيذ التي تتطلب مؤازرة شرطة البلدية نظراً لأن موظفيها مدنيون.
لكن قبل يوم واحد من التنفيذ، تلقى طالب اتصالاً من دائرة التنفيذ يعتذرون فيه عن عدم قدرتهم على إزالة المخالفة بسبب رفض قائد شرطة البلدية إرسال العناصر اللازمة.
وبعد أن مر يوم التنفيذ دون تنفيذ، توجه طالب إلى مكتب رئيس بلدية طرابلس، الدكتور رياض يمق، للاستفسار عن الوضع. فقام الرئيس بالاتصال بقائد شرطة البلدية، المؤهل ربيع الحافظ، المفصول سابقاً من قوى الأمن الداخلي فرع المعلومات، والمعين حديثاً على قيادة شرطة بلدية طرابلس، مطالباً بإزالة المخالفة فوراً. لكن التنفيذ لم يتم، مما دفع طالب لتقديم كتاب رسمي يطلب فيه معرفة الأسباب الموجبة وراء عدم تنفيذ قرار إزالة المخالفة، دون أن يحصل على إجابة.
تداعيات الفشل الإداري:
طالب يطرق أبواب السلطة العليا
في ظل هذه الملابسات، طلب شاكر طالب من رئيس البلدية، استناداً إلى قانون حق الوصول إلى المعلومات، الاستفسار عن مسلكية ربيع الحافظ وكيف أصبح مسؤولاً، ولكن حتى الآن لم يصله جواب. توجه بعدها إلى المحافظة لتقديم شكوى مفصلة، متضمنة استفساره عن قانونية تعيين ربيع الحافظ مرة أخرى، دون أن يحصل على رد أيضاً. فما كان من طالب إلا أن توجه إلى وزير الداخلية، الذي أرسل بدوره كتاباً إلى شرطة طرابلس يطالبهم فيه بتنفيذ المضبطة وإزالة المخالفة فوراً، لكن التنفيذ لم يتم.
وعندما فقد طالب الأمل، توجه إلى رئيس التفتيش المركزي وطالبه بإجراء تحقيق موسع حول الموضوع. فقام رئيس التفتيش بتحويل الملف للتحقيق.
لماذا أُقصي النقيب عبدالله
خضر وحل محله الأقل رتبة؟
علمت "الديار" من مصادر خاصة أن قائد شرطة بلدية طرابلس المدون اسمه أمام وزارة الداخلية والبلديات هو النقيب عبدالله خضر. ولكن بشكل غامض، تمت إزالته من منصبه مع ضابطين آخرين برتبة ملازم أول (نزاف خضر وعزام مصليح)، وتم تعيين المؤهل ربيع الحافظ الأقل رتبة منهم بدلاً منهم بشكل غير قانوني.
وعند الاستفسار عن سبب تعيينه غير القانوني، جاءت الإجابة: "لدواع أمنية!". ولكن إذا كان السبب لدواع أمنية، فلماذا لم يصدر تعيين من خلال مذكرة أو مرسوم؟ ولماذا تمت إقالة 3 ضباط اختصاص شرطة بلدية وتعيين مؤهل أقل رتبة منهم؟
كيف اختفى تعيين ربيع الحافظ
من سجلات بلدية طرابلس؟
وحصلت "الديار" أيضاً على صورة إقرار من بلدية طرابلس، يفيد بأن الدائرة القانونية في بلدية طرابلس ورئيس بلديتها يؤكدون أن مرسوم تعيين ربيع الحافظ غير متوفر لديهم. وجاء في نص الاقرار ما يلي: "ان طلب المستدعي هو الحصول على نسخة من قرار تعيين قائد الشرطة، وهذا القرار غير متوفر لدينا، كما لم يتبين لنا ما المطلوب ذكره ضمن الكتاب".
فبينما تتوالى الأحداث وتتكشف الحقائق، تتصاعد التساؤلات حول نزاهة وشفافية التعيينات في جهاز الشرطة. إمكانية فصل قائد شرطة طرابلس القانوني وتعيين بديل عنه بشكل غير قانوني تثير الشكوك وتفتح أبواباً على عالم من الفساد والغموض. لماذا تم تغييب القانون في هذا التعيين؟ وما هي الأسرار التي تقف وراء هذا الغموض؟
الأدهى من ذلك هو تغاضي الدولة عن هذه التجاوزات الصارخة، مما يطرح تساؤلات أكبر حول دور المؤسسات الرقابية والسلطات المعنية. هل هناك تواطؤ خفي؟ أم أن الفساد قد تمدد إلى حد لا يمكن السيطرة عليه؟
في هذا السياق، تتحول قصة شاكر طالب من مجرد خلاف بسيط مع جاره إلى رمز لمقاومة الفساد وكشف المستور. كل خطوة خطاها طالب في محاولته للوصول إلى الحقيقة، كانت بمثابة ضربة في جدار الصمت والتواطؤ. فهل ستظل هذه القصة مجرد فصل في كتاب طويل من الفساد، أم أنها ستكون الشرارة التي تشعل حملة من أجل الإصلاح والتغيير؟