أزمة السّاعة تكشف المستور : خطط و قلوب تحنّ إلى تقسيم
عبد الكافي الصمدليست القضية متعلقة بتقديم السّاعة ساعة وفق التوقيت الصيفي أو إبقائها كما هي حسب التوقيت الشّتوي إلى آخر شهر رمضان، مثلما توافق الرئيسان نبيه برّي ونجيب ميقاتي قبل أيّام، إنّما هي أبعد من ذلك بكثير، وقد استغلت كمناسبة لتصفية حسابات سياسية ضيّقة، وشعبوية طائفية، تمهيداً للوصول إلى ما هو أبعد من ذلك.
فقد كان مفاجئاً ردّ الفعل الرافض على تأخير البدء بالعمل بالتوقيت الصيفي إلى ما بعد الإنتهاء من شهر رمضان، خصوصاً من قبل التيّار الوطني الحرّ، قبل أن تتسع دائرة الإعتراض لتشمل أغلب القوى والتيّارات والأوساط المسيحية في ما كان يُعرف أيّام الحرب الأهلية بـ"المنطقة الشّرقية"تحديداً، برغم أنّ البعض ذكّر التيّار البرتقالي، قيادة وقاعدة، أنّ مؤسّسه ورئيس الجمهورية السّابق ميشال عون عندما تسلّم مهام الحكومة العسكرية عام 1988، أقدم في العام التالي على تأخير بدء العمل بالتوقيت الصيفي إلى حين انتهاء شهر رمضان، فما الذي حصل حتى يصبح ما قام به الجنرال قبل ثلاثة عقود ونيّف حلالاً، ويضحي اليوم حراماً؟
قبل أيّام كشفت أوساط سياسية مطلعة لموقع "06News " أنّ "مخططاً خطيراً قيد التحضير في أروقة بعض السّفارات الغربية وبدعم منها، بالتنسيق مع قوى سياسية مسيحية تحديداً موالية لها، وأنّ هذا المخطط يعكف القائمون عليه إلى فرض أمر واقع في مناطق معينة من لبنان، وتحديداً في مناطق جبل لبنان وأخرى مجاورة لها، تعادل إلى حدّ ما مساحة متصرفية جبل لبنان أيّام العثمانيين، وهي بحدود ثلث مساحة لبنان الحالية، من خلال الدعوة إلى ما يشبه الإنفصال عن دولة لبنان الحالية تحت شعارات مختلفة، تبدأ من إدعاء التمايز عن الآخرين في البلد ثقافياً (دينياً ضمناً) وإجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً، تحت شعارات وحجج مختلفة، مستغلين الفراغ في الرئاسة الأولى، ودعوة الدول الغربية بعد ذلك إلى الإعتراف بهذا الواقع القائم بأيّ شكل من الأشكال، تحت شعار أنّه لا يمكننا العيش معاً بسبب الإختلافات الكبيرة والمتجذّرة بيننا، وأن من الأفضل أن يعيش كلّ مكوّن طائفي ومذهبي لوحده".
ويبدو أنّ هذه التحضيرات القائمة قد استغلت قضية تقديم السّاعة حجّة لإطلاق ساعة الصفر للبدء بالمشروع المذكور، الذي لطالما دعت وذكّرت به قوى وتيّارات وأحزاب سياسية خلال سنوات سابقة، منذ الحرب الأهلية مروراً باتفاق الطائف، وصولاً إلى اليوم، ما طرح تساؤلات عدّة حول هل أنّ الدعوات إلى اللامركزية الإدارية الموسّعة، وقبلها الفيديرالية ضمن كيان فضفاض، هي مقدمة للوصول إلى الإنفصال والتقسيم؟
ومع أنّ البعض ظنّ أنّ الدّعوات إلى "تصغير" لبنان جغرافياً إلى حدود المتصرفية، هي دعوات مضى عليها الزمن، لتصحيح "خطأ" تاريخي إرتكبه مؤسّسو لبنان الكبير عام 1920 بتوسعة حدود لمتصرفية، التي تحوّل المسيحيون من أغلبية فيها إلى أقلية في لبنان الكبير لاحقاً، فإنّ هذه الدعوات لم تمت، إنّما بقيت جمراً تحت الرماد تنتظر أيّ فرصة لإعادة إحيائها مجدداً.
تأكيداً على ذلك، ففي أواخر عام 2021 طرح رئيس الجمهورية حينها ميشال عون "ضرورة الذهاب إلى لامركزية إدارية ومالية موسّعة"، الأمر الذي فتح سجالاً جديداً حول الهدف منها، وهل هي لجعل إدارات الدولة أكثر مرونة لتلبية حاجات المواطنين، أم دعوة مبطنة لاعتماد الفيدرالية، وأنّها تعني أنّ على كلّ طرف أن يذهب ويعيش في منطقته مع موارده المالية، وأنّ هذا الطرح ينطوي على ما هو أبعد من الفيدرالية وقد يكون مدعاة ومقدمة للتقسيم.
وبعد الخلاف بين حزب الله والتيّار الوطني الحرّ حول تبنّي الأوّل ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وإعلان رئيس التيّار النائب جبران باسيل رفضه له، قال إنّ "خياراته مفتوحة، ومن ضمنها تطبيق اللامركزية الإدارية على الأرض"، ما جعل كلامه يبدو تهديداً باعتماد خيار اللامركزية من طرف واحد وفرضه كأمر واقع.
بدوره، ذهب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أبعد من عون، وأعاد الدعوة إلى تبني الفيديرالية التي رفع لواءها إبّان الحرب الأهلية، عندما دعا في كانون الثاني الماضي إلى "إعادة النظر بتركيبة الدولة اللبنانية"، وتبنّي "النظام الفيديرالي المعمول به في دول كثيرة كالإمارات وسويسرا والولايات المتحدة".
لكنّ مثل هذه الدعوات دفعت آخرين إلى التحذير منها، قبل ظهور الخلاف على قضية تقديم السّاعة أو تأخيرها. فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وهو الشّريك الدرزي للمسيحيين في المتصرفية التي يريدون العودة إليها، إستشعر هذا الأمر مسبقاً، وسأل في حديث إلى جريدة "الأخبار" (21 آذار 2023) :"كيف تقوم الفيدرالية في دولة طائفية؟"، معتبراً أنّ "اللامركزية المالية الموسعة دعوة إلى التقسيم"، ومضيفاً أنّه "في 1975، خرجت الجبهة اللبنانية بنظرية التعددية الثقافية، ما أدخلنا في جولات متلاحقة من العنف. هل نريد الرجوع إلى الماضي؟".