عملية "يافا".. تحوّل استراتيجي في مسار إسناد غزة
كَتَبَ المُحَرّردخلت معركة "طوفان الأقصى" مع تسلّل مسيّرة "يافا" اليمنية إلى قلب الكيان الصهيوني وضربها لعاصمته "تل أبيب"، للمرة الأولى من خارج "إسرائيل"، مرحلة جديدة من التصعيد الميداني.
إذ إنّ عملية "يافا" قد أتت في وقت حساس للغاية؛ وحملت معها رسائل عدة تشير إلى تحوّل عند قوى المقاومة في مسار دعم القضية الفلسطينية وإسناد أهل غزة.
فبعد أن تبيّن، في جولات المفاوضات غير المباشرة السابقة بين الفصائل الفلسطينية بقيادة "حماس" والعدو الإسرائيلي، أن الأخير يراوغ ولا يريد وقف العدوان، ويمارس على المقاومة ضغوطًا سياسية كبيرة جدًا لدفعها إلى التنازل معوّلاً، في الوقت نفسه، على انتصار مرتقب للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الانتخابات القادمة لتمرير مخططاته، بدأت "جبهة مساندة غزة" تبحث عن آلية إسناد جديدة تفيد "حماس" والفصائل المقاتلة معها.
فكانت هذه العملية رسالة أوليّة من أجل استنزاف العدو في الميدان، والضغط عليه في المفاوضات الجارية لدفعه إلى وقف الحرب.
أهمية عملية "يافا" التي نفذتها حركة "أنصار الله" اليمنية، تكمن في أنها اختارت هدفًا نوعيًا داخل عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، لم يكن في الحسبان أبدًا.
وهو جاء ضمن مرحلة خامسة من التّصعيد والمواجهة، كما قال قائد الحركة السيد عبد الملك الحوثي، وكان قد سبقه قصف أم الرشراش "إيلات" في مرحلة أولى بالصواريخ والمسيّرات، ثم استهداف السفن المتّجهة إلى كيان الاحتلال في مياه البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي والبحر المتوسط في المراحل اللاحقة، ما مثّل ضربةّ اقتصادية كبرى أصابت العدو الإسرائيلي وداعميه، حتى وصل الرّد الى عمق مدينة "تل أبيب"، ما ألزم قادة الاحتلال بالرّد حفاظًا على هيبة الردّع.
تحليق الطائرة الانقضاضية الجديدة "يافا"، لمدة تسع ساعات ومسافة 2300 كلم بحسب ما أكد الحوثيون، له دلالات عسكرية كبرى؛ فمن ناحية محور المقاومة تعطي العملية إشارة إلى أنها ليست عشوائية، ولا "فلتة شوط"؛ بل كانت مُعدّة وفقًا لحسابات دقيقة، بما في ذلك كيفية الاختيار من بنك الأهداف الوفير عند هذا المحور.
أما من ناحية العدو؛ فتُعد إخفاقًا مدوّيًا لكل منظومات الدفاع الجوي لديه. وهذا ما عبّرت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد نقلت صحيفة "كالكاليست" عن جنرال صهيوني كبير قوله إن: "نجاح الحوثيين بإطلاق مسيّرة مفخخة تقطع مسافة أكثر من ألفي كلم، وتصل حتى وسط البلاد، ينذر بانتهاء عصر السماء الصافية".. إلى ذلك، رأى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل أن دخول "يافا" على الخط: "يعكس مرحلة جديدة في الحرب المتواصلة منذ 7 أكتوبر، والآخذة في التحول إلى حرب إقليمية ومتعددة الجبهات"، مضيفًا أن: "سكان تل أبيب، مع هجوم المُسيّرات على المدينة، ذاقوا طعم روتين الحرب الذي يعيشه سكان الشمال منذ تسعة أشهر ونصف شهر".
ولتكتمل الصورة والصّدمة عند القادة الصهاينة ومستوطنيهم، هدّدت "أنصار الله" بأنّ عملية "يافا" ستكون عنوان مرحلتها المقبلة التي ستستهدف فيها منطقة "تل أبيب" التي "لم تعد آمنة".
وهذا ما يشير إلى أن قوى المقاومة قد أعادت النظر في برامجها الميدانية، فكانت هذه العملية قاتلة للعدو على الصّعد كافة، وفرضت عليه مُرغمًا أن يقصف ميناء الحديدة، مع علمه أن هذا الرّد لا يرتقي إلى المستوى المطلوب.
بهذا، قد تُحوّل العملية مسار المعركة من غزة إلى اليمن، ما ألزم الإسرائيلي بالرّد عليها لعلمه بخطورتها، وخوفًا من أن تؤدي إلى حرب إقليمية شاملة يتورط بها..
وهذا بدوره يعدّ تَحوّلًا خطيرًا في مجريات الميدان؛ لأنه إذا لم تحصل الحرب الشاملة، فستؤدي "يافا" حتمًا إلى ورقة ضغط كبرى في المفاوضات القادمة التي ستلزم العدو بالرضوخ لمطلب المقاومة، وهو وقف العدوان بأشكاله كلها.