الدّيار _ فضيحة بيئيّة في طرابلس!
أمل سيف الدينيعد لبنان واحدة من الوجهات السياحية البارزة في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث يجتذب سياحا من جميع أنحاء العالم للاستمتاع بسواحله الجميلة ومياهه الزرقاء الفيروزية. ومع ذلك، يواجه اليوم تحديات بيئية خطرة تهدد هذا الموروث الطبيعي الثمين، وأبرز هذه التحديات هو تلوث مياه البحر بفعل مياه المجارير.
فمياه المجارير تمثل مشكلة بيئية مستمرة في لبنان، حيث يتم تصريفها "غالبًا" دون معالجة إلى مجاري المياه الطبيعية وفي النهاية إلى البحر. هذا التصرف غير المسؤول يسبب تأثيرات سلبية جسيمة في البيئة البحرية، من تلوث الشواطئ ومناطق السباحة إلى تهديد الأنواع البحرية والأحياء البحرية النادرة.
طرابلس تغرق في بحر من المخلفات:
جريمة بيئية تهدد الحياة
انتشر في الآونة الأخيرة فيديو مدوٍ على وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر مخالفة بيئية خطرة تُلوث مجرى نهر أبو علي ومياه بحر طرابلس. الفيديو الذي تم توثيقه بالصوت والصورة، أظهر شاحنة آتية من مدينة جبيل محملة بمياه المجارير تفرغ حمولتها في مجرى النهر، مما أثار ضجة كبيرة في المدينة. وتبين أن الشاحنات التي تفرغ مياه المجارير من منطقة جبيل في نهر أبو علي، هي السبب الرئيسي لهذا التلوث.
تم تحديد أرقام وطراز الشاحنات المتورطة في هذا الفعل الإجرامي كالاتي:
1. مرسيدس فضة رقم M327495
2. مرسيدس Actros رقم M326471
فتبعد جبيل نحو 45 كيلومترًا من طرابلس، حيث تقع محطة تكرير ملاصقة لنهر أبو علي في منطقة طرابلس. هذا النهر الذي يقسم المدينة إلى قسمين، يمتد من شمال طرابلس حتى جنوبها، ثم يصب في البحر.
حراس المدينة يحبطون محاولة تهريب
علمت "الديار" أنه في يوم الخميس الموافق 12 تموز 2024، تلقى حراس المدينة بلاغًا في تمام الساعة 9:45 صباحًا من مواطن طرابلسي، يفيد برصد شاحنة صرف صحي متجهة إلى طرابلس على الأوتوستراد الدولي. استجاب فريق الرصد الميداني بقيادة المسؤول الميداني في حراس المدينة، محمد شوك (أبو محمود)، بسرعة للبلاغ، وتعقب مسار الشاحنة ورصدها عن بعد للتحقق من صحة المعلومات. وعندما تأكد الفريق من أن الشاحنة محملة بالمياه المبتذلة، قاموا باعتراضها في نهاية الطريق الدائري عند مفرق البداوي.
تفاصيل الخطة
تمكنت حراس المدينة من توثيق عملية ضبط شاحنة الصرف الصحي، حيث انتزعوا اعتراف السائق الذي كشف عن تفاصيل الخطة كالاتي:
1. التبييت للتمويه: كان من المقرر أن يقوم السائق بتبييت الشاحنة المحملة بالصرف الصحي في منطقة البداوي لتمويه العملية.
2. تفريغ الحمولة في الفجر: عند الفجر، كان السائق ينطلق تحت جنح الظلام إلى محطة التكرير التي تم رصده بها سابقًا، ليقوم بتفريغ المحتوى في نهر أبو علي.
3. العودة إلى جبيل: بعد تفريغ الحمولة، يعود السائق بالشاحنة فارغة إلى جبيل، مقر الشركة المالكة للشاحنة.
وبعد استجواب السائق، تواصل حراس المدينة مع قائد سرية طرابلس في قوى الأمن الداخلي، الذي استجاب بسرعة وأرسل دورية قريبة من الموقع. وصلت الدورية بسرعة البرق إلى المكان، حيث تم احتجاز الشاحنة واقتياد السائق لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
الخطر يكمن في ما لا نعرفه!
اللافت في الموضوع هو استمرار تصدير الصرف الصحي إلى طرابلس عبر صاحب الشاحنة، السيد روبير لويس ضاهر، الذي عنوانه جبيل - بلاط - شارع النادي - رقم الشاحنة M32647. والخطر يكمن في ما لا نعرفه. فلا أحد يستطيع معرفة عدد الشاحنات التي تدخل خلسةً، ولا منذ متى تُرمى مجارير جبيل والمناطق المجاورة في طرابلس! كما أن لا أحد يعلم ما إذا كان الأمر يقتصر على الصرف الصحي فقط أو يتضمن مواد كيميائية خطرة! فعلى ما يبدو أن هذه العملية ممنهجة ومدروسة، وهناك من يسهل تنفيذها.
الأيوبي: بلدية طرابلس لا علاقة لها!
أجرت صحيفة "الديار" مقابلة مع المهندس محمد نور الأيوبي، رئيس لجنة البيئة في طرابلس، الذي أوضح أن محطة طرابلس تحت إدارة مجلس الإنماء والإعمار، وأن التصاريح التي تصدر ويستلمها سائقو الشاحنات تصدر عن اتحاد بلديات الفيحاء بالتنسيق مع مجلس الإنماء والإعمار. وأكد أن بلدية طرابلس لا علاقة لها بهذا الموضوع ولكنها تملك الحق في منع هذا التعدي الذي يحدث في منطقتها.
غمراوي: مسؤوليتنا
تقتصر على اصدار التصاريح!
في لقاء خاص مع "الديار"، كشف حسن غمراوي، رئيس اتحاد بلديات الفيحاء، عن دور اتحاده في موضوع تلوث المياه في طرابلس، موضحاً أن مسؤوليتهم تقتصر على إصدار تصاريح الشاحنات التي تفرغ مياه المجارير في محطة التكرير، وفقاً لطلب من مجلس الإنماء والإعمار ووزير الطاقة والمياه. وأكد غمراوي أن مجلس الإنماء والإعمار يتحمل المسؤولية الكاملة عن مراقبة عمل المحطة بالتنسيق مع الشركة المشغلة.
وفي ما يتعلق بالحادث الأخير، أوضح غمراوي أن هناك صهريجاً قام بإفراغ محتوياته داخل محطة التكرير، لكن المحطة كانت متعطلة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، مما دفع العمال إلى إطلاق المياه غير المعالجة مباشرة إلى البحر. وأشار إلى أن التعميم الصادر عن اتحاد الفيحاء ينص على تعليق مفعول التصاريح في حال تعطل المحطة، مسائلاً عن سبب السماح بإفراغ الصهاريج رغم تعطل المحطة.
وختم حديثه مؤكداً أنه لم يصدر أي تصريح لأي صهريج دخل المنطقة آتياً من جبيل، مشدداً على أن اتحاد الفيحاء ليس مسؤولاً عن حالة المحطة بل يقتصر دورهم على تنظيم إجراءات التفريغ بناءً على التصاريح المصدرة.
هذه هي المرة الأولى منذ عشر سنوات
التي يتم فيها اتخاذ مثل هذا الإجراء!
مصدر في مجلس الانماء والاعمار أفاد لـ "الديار" بأن محطة التكرير الموجودة على ضفاف نهر أبو علي تعمل منذ حوالى عشر سنوات، وأن الحادثة الأخيرة هي الأولى من نوعها التي تحدث فيها مشكلة مماثلة.
وشرح أن "نظام محطة التكرير يعمل على تكرير المياه وإعادتها إلى البحر عبر خط يمتد حوالى كيلومتر ونصف، وتعتمد العملية بشكل كامل على توافر الكهرباء. عندما تنقطع الكهرباء، يتم تخزين المياه المعالجة داخل المحطة لمدة تتراوح بين 16 إلى 18 ساعة، حسب كمية المياه المتواجدة.
في حالة عدم عودة التيار الكهربائي، تُستخدم مصارف الطوارئ داخل المحطة، والتي تعمل كفتحات لإفراغ المياه المعالجة مباشرة إلى النهر كإجراء طارئ. وأشار المصدر إلى أن هذه هي المرة الأولى منذ عشر سنوات التي يتم فيها اتخاذ مثل هذا الإجراء.
أما في ما يتعلق بموضوع الصهاريج، فقد تم التأكيد على وجود اتفاق بين مجلس الانماء والاعمار واتحاد بلديات الفيحاء، ينص على عدم إدخال أي صهريج إلى المحطة دون تصريح صادر عن الاتحاد وهنا ينتهي دور اتحاد البلديات، مؤكداً أنه لم يتم السماح لأي صهريج بالدخول بدون تصريح من المعنيين.
طرابلس في مرمى التلوث: لماذا؟
تبقى الأسئلة العميقة تلاحق كل من له علاقة بالموضوع: لماذا يبقى صمت النواب والمسؤولين في طرابلس والمنطقة حيال هذه الانتهاكات البيئية؟ هل هم غير قادرين على المطالبة بحقوق مدينتهم في بيئة نظيفة وصحية؟ هل هناك مصالح سياسية أو اقتصادية تتحكم في انعدام استجابتهم؟ أم أن هناك نقصا في الإرادة السياسية لمواجهة هذا النوع من التحديات البيئية التي تؤثر في حياة المواطنين وفي البيئة بشكل عام؟