كرامي يكسر الجرّة مع ميقاتي: قد أسمعتَ لو ناديت حيّاً
عبد الكافي الصمد
لم يسبق لرئيس تيّار الكرامة النائب فيصل كرامي، منذ وراثته العمل السّياسي لعائلته بعد وفاة والده الرئيس الراحل عمر كرامي في مطلع عام 2015، أنْ وجّه كلاماً إنتقادياً قاسياً ضد الرئيس نجيب ميقاتي كالذي فعله الإثنين، 20 آذار الجاري، إذ بقي محافظاً طيلة تلك السّنوات على الحدّ الأدنى من "الهدنة" مع رئيس تيّار العزم، إنطلاقاً من إعتبارات طرابلسية بحتة، بعضها يتعلّق بـ"حسن الجيرة"، وبعضها الآخر بحرص "أفندي" طرابلس على عدم جعل المدينة ساحة للصّراع السّياسي بينهما، وإبعاد "البيت الطرابلسي" عن أيّ تجاذب أو تشنّج بين مناصري الطرفين.
لكنّ هذا الحرص من قبل كرامي على إبقاء شعرة معاوية موجودة بينه وبين ميقاتي، وعدم قطعها معه، إنتفى بعد عصر الإثنين بعدما نشر موقع "الرقيب" الإلكتروني التابع لكرامي، مقالاً خاصّاً موقعاً باسم "المدير العام" للموقع تحت عنوان "كلمتين باختصار برسم الحكومة الفاشلة"، شنّ فيه إنتقاداً لاذعاً على ميقاتي وحكومته، وأعطى إشارة إلى أنّ مرحلة جديدة من التأزّم بين الفريقين قد بدأت، وهي علاقة لم تكن يوماً ودّية، وسط احتمال أن تشهد الأيّام المقبلة تصعيداً في المواقف من قبل مناصري الطرفين.
فقد اعتبر المقال أنّ "رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يبدو أنّه لا يعيش في لبنان، ولا يشعر بما يجري في لبنان لا من قريب ولا من بعيد"، قبل أن يوجّه إلى ميقاتي سلسلة أسئلة بدت كـ"مضبطة إتهام" بحقه وبحق وحكومته، حول إنْ كان يدري أنّ سعر صرف الدولار قد تجاوز 120 ألف ليرة، والأسعار ترتفع في اليوم الواحد أكثر من 6 مرّات، وصفيحة البنزين أصبحت بمليوني ليرة لبنانية، ومعظم الأدوية لم تعد موجودة والموجود منها أصبح بسعر خيالي، وأنّ مرضى الأمراض المزمنة لم يعودوا بمأمن لأن أدويتهم غير متوفرة، وأنّ المستشفيات أصبحت لمن استطاع إليهم سبيلاً، والتلاميذ معظمهم لا يزال في البيوت ولا من سنة دراسية ولا من يحزنون، وأنّ التجّار أقل ما يقال عنهم اليوم أنهم فجّار ولا من حسيب ولا من رقيب، والناس بمعظمهم كفرّوا بهذه الحال وأصبحوا يائسين من حلولكم غير الموجودة وبجهودكم غير المبذولة، وأنّ شهر رمضان على الأبواب ولا من معيل لمعظم الأهالي"، وصولاً إلى حدّ مخاطبته مباشرة: "يا دولة الرئيس، إنْ كنت تدري فتلك مصيبة وإنْ كنت لا تدري فالمصيبة أعظم"، قبل أن يُختتم المقال بعبارة: "قد أسمعت لو ناديت حيّاً لكن لا حياة لمن تنادي".
رفع كرامي سقف خطابه في وجه ميقاتي، عبر موقعه الإلكتروني، كان متوقعاً منذ زمن، ليس فقط نتيجة خلافات شخصية وطموحات سياسية، أو تحميل كرامي لميقاتي "تهمة" إسقاطه في الإنتخابات النيابيّة الأخيرة من تحت الطاولة قبل أن يستعيد مقعده النيابي بقرار من المجلس الدستوري، إنّما أيضاً نتيجة فشل حكومة ميقاتي في معالجة أيّ أزمة إجتماعية أو معيشية في طرابلس، وتجاهله وحكومته المدينة وكأنّه غير مسؤول فيها وعنها، وتركه لها تغرق في مستنقع الحرمان وبحر الإهمال أكثر من أيّ منطقة لبنانية أخرى، برغم أنّ العكس كان يفترض به أن يحصل تجاه مدينة تُصنّف أنّها الأفقر في لبنان.
وليس خافياً أنّ موقف كرامي الحاد تجاه ميقاتي وحكومته جاء وسط احتقان شعبي في المدينة، وأنّ الدفاع عن حكومة ميقاتي، وهو غير موجود عملياً في طرابلس إلا ضمن فريق المؤيّدين له، وهم في تناقص، أو الصّمت عن تجاهله وضع طرابلس خصوصاً والوضع العام عموماً، لم يعد يجدي نفعاً، لا بل أصبح عبئاً على الصّامتين الذين يبدون كأنّهم شركاء مع ميقاتي في الإدارة الفاشلة لحكومته.
هذا الإنتقاد الحاد من قبل كرامي لميقاتي وحكومته يُنتظر أن يفتح عليه باباً واسعاً من الإنتقادات في طرابلس وفي مختلف المناطق اللبنانية في الأيّام المقبلة، بعدما بلغ إنهيار البلد حدّاً بات السكوت عنه تهمة لا يمكن التبرؤ منها.
كلّ ذلك يعطي مؤشّرات بالغة الدلالة عن أنّ أيّاماً صعبة جدّاً تنتظر ميقاتي في المرحلة المقبلة، على وقع شارع غاضب ومحتقن يتوقع له أن ينفجر بوجهه في أيّ لحظة.