بشير خضر وأزمة النّزوح السّوري: نصف الحقيقة التي غابت
عبد الكافي الصمد
قبل أن يُنهي محافظ بعلبك ـ الهرمل بشير خضر كلامه عن أزمة النّزوح السّوري وتداعياته على لبنان، إقتصادياً وإجتماعياً، كانت ردود الفعل قد بدأت بالصدور تباعاً، وهي كبرت مثل كرة الثلج في وسائل الإعلام المختلفة على منصّات وسائل التواصل الإجتماعي، بعدما قال خضر كلاماً صريحاً وبسيطاً وواضحاً عن الآثار الواسعة التي تركها وجود أكثر من مليوني نازح في لبنان.
فخلال لقاء تنسيقي للجمعيات دعت إليه دار الفتوى في بلدة عرسال البقاعية، طالب منسق مخيّمات النّازحين في المنطقة "بزيادة التقديمات للنّازحين"، وحمّل المحافظ خضر "مسؤولية أوضاعهم الصّعبة"، مُطالباً إيّاه "بالعمل على تحسينها"، الأمر الذي دفع خضر إلى الردّ عليه بأنّ النّازح السّوري "يحصل على تقديمات لا يحصل عليها اللبناني"، وأنّ النّازحين "أصبحوا عبئاً كبيراً على لبنان ولا يمكن بالتالي التحمّل أكثر"، وأنّ النّازحين "لا يتحمّلون كلّ تداعيات الأزمة اللبنانية، لكنّهم جزء من الأزمة المالية والإقتصادية"، وصولاً إلى حدّ إشارته إلى أنّ النّازح السّوري "يحصل على راتب أكثر من راتبي".
كلام خضر الذي يُعتبر الأوّل من نوعه الذي يقوله مسؤول لبناني بهذه الصّراحة عن أزمة النّزوح السّوري في لبنان، يعكس كلاماً يقوله المواطنون اللبنانيون العاديون منذ سنوات في كلّ مكان، في البيت والشّارع ومكان العمل والمقهى وفي التجمّعات وغيرها، عن أنّ النّازحين السّوريين أرخوا تداعيات ثقيلة على الواقع اللبناني، إقتصادياً ومالياً وإجتماعياً، وأرهقوا البنى التحتية في البلاد التي فاقت قدرتها على التحمّل، وسلبوا فرص عمل كثيرة من أمام اللبنانيين الذي ازدادت بسببهم نسب بطالتهم وهجرتهم، فضلاً عن تداعيات ومخاوف أمنية ليست خافية على أحد من المسؤولين، برغم أنّها ما تزال، حتى الآن، تحت السّيطرة.
غير أنّ ما قاله المحافظ خضر هو نصف الحقيقة، وهناك نصف آخر منها يتركز أبرزها في النّقاط التالية:
أولاً: عندما بدأ النّزوح السّوري إلى لبنان مع بداية الحرب في سوريا عام 2011، سارع فريق من اللبنانيين هو فريق 14 آذار، إلى فتح الحدود الشّرعية وغير الشّرعية في الشّمال والبقاع، والمناطق والأبواب أمام النّازحين، وقد شوهد عشرات المسؤولين والنّاشطين والمناصرين لهذا الفريق وهم يقفون على الحدود بهدف استقبالهم النّازحين، وجرى تسجيل مواقفهم وتصويرها وهو يردّدون على أسماعهم: "بيوتنا هي بيوتكم، ولقمة الخبز سنتقاسمها معكم، وقريباً سنعود معكم بعد إسقاط النّظام في سوريا للإحتفال سويّاً بهذا الإنتصار".
لكنّ هذه الفترة القريبة لعودة النّازحين التي توهّم البعض أنّها ستكون في غضون أسابيع أو أشهر قليلة، تجاوزت اليوم 12 سنة، وبالتالي فإنّ جزءاً كبيراً من عبء النّازحين السّوريين على لبنان يتحمّله فريق 14 آذار تحديداً الذي خاض "مغامرة" خاسرة، برغم تحذيرات عدّة وُجّهت إليه وإلى الدولة اللبنانية للتنبّه من مخاطر هذا النزوح، وضرورة ضبطه وتنظيمه إستباقاً لتداعياته التي باتت اليوم أمراً واقعاً.
ثانياً: منذ بداية أزمة النّزوح السّوري كانت دعوات كثيرة توجّه إلى كلّ الحكومات اللبنانية المتعاقبة من أجل التواصل مع الحكومة السّورية لمعالجة الأزمة، تمهيداً لإعادة ما أمكن من نازحين إلى ديارهم، لأنّ النّازحين لا يمكن عودتهم بمفردهم وبلا تنسيق مع حكومة بلادهم، لكنّ هذه الدعوات لم تلقَ تجاوباً من الحكومات اللبنانية حتى اليوم. وإذا كانت حجّة الحكومات سابقاً عدم التواصل مع الحكومة السّورية وقوفها عند "خاطر" دول عربية وغربية قاطعت للحكومة السّورية، فما مبرّر الحكومة اليوم عدم تواصلها جدّيّاً مع الحكومة السّورية لمعالجة أزمة ترهق لبنان وتثقل كاهله، بعد انفتاح دول وحكومات عربية وغربية عديدة مع دمشق، وإعادة علاقاتها معها إلى طبيعتها.
ثالثاً: جلب وجود النّازحين السّوريين في لبنان مساعدات مالية ضخمة من دول وجهات مانحة، لكنّ قسماً كبيراً من هذه الأموال ضاع في متاهات الفساد في لبنان، ولو أنّ هذه الأموال جرى إيصالها بشفافية إلى النّازحين وإلى المجتمعات المضيفة لهم في مختلف المناطق اللبنانية، على وجه التحديد في الشّمال والبقاع، لما كان هناك اليوم حديث بهذا الحجم عن أزمة نازحين سوريين في لبنان.
رابعاً: لا يتحمّل النّازح السّوري مسؤولية أنّ راتبه أصبح اليوم، كونه يقبض بالعملة الصّعبة الآتية من جهات مانحة خارجية، أكبر من راتب الموظفين في لبنان بمن فيهم المحافظ خضر، لأنّ هذا الفارق بين الراتبين لم يبرز إلّا منذ بداية إنهيار العملة المحلية أواخر عام 2019، وليس عام 2011 حين بدأت أزمة النّزوح. لذلك إنّ إنهيار الليرة اللبنانية لا يتحمّله النّازحون السّوريون، بل السّلطة السّياسية والمالية والإقتصادية التي أغرقت لبنان بفسادها، وأودت به إلى الإنهيار على مختلف الصعد، وأنّ هذه السلطة هي العبء الفعلي على لبنان.