صائدو الكُنوز فقراء يبحثون عن ثروة ضائعة في دفاتر الأجداد.
مروان جلولتحت جنح الظّلام، يتحرّك صائدو الكنوز حاملين أدواتهم الزّراعيّة وكشّافاتهم اللّيليّة حذرين من الوقوع في قبضة القوى الأمنيّة، ساعين خلف ثروة أخفتها العقود الغابرة تحت الصّخور. فينيقيّ، رومانيّ، عثمانيّ لا فرق، كلّه في سبيل السّعي نحو سراب الثّروات!
مُجتَمعُ صائدي الكنوز أقرب إلى نادٍ سريّ، فالحديث بينهم لا يكون إلّا همسًا، خوفًا من مُخبِر أو منافس. يتداولون عبر مجموعات خاصّة على الواتس أب صورًا لعلامات حُفرَت على الصّخور بغيّة تفسيرها، ويتبادلون صورًا لقطع أثريّة وعملات قديمة حَظِيَ بها أو كُلِّفَ ببيعها أحد الأعضاء.
انعدام الثّقة هي الطّابع الّذي يحكم علاقات صائدي الكنوز والمعروفين بلقب " البحّيشة". ورغم ذلك أيّ فرد منهم لا يحوز علمًا حقيقيًّا بما يفعل إلّا أنّهم ينقسمون بين باحث يؤمن بالتّفسير العلميّ وبين روحانيّ يعتقد بتفسير وقوّة ماورائيّة تتحكّم بفُرص الحصول على الكنز .
أبو محمّد أحد أعضاء هذه المجموعات والّذي يعمل مزارعًا، ينشط في مجال البحث عن الآثار منذ عشرين عامًا ليبدأ كباحث عشوائيّ برفقة أحد معارفه بدافع الخروج من حالة الفقر والعوز بأسرع ما يمكن، إلّا أنّ هذه السّوسة كما يصفها بدّدت له الكثير من المال والمجهود ولم تضف إلى فقره إلّا الفقر. يبدأ حديثه بكلمة "شحّدتني " ويضيف: جِلتُ أقضية الشّمال كلّها الضّنّيّة،عكّار،زغرتا، البترون...إلخ، فبتّ أملك خبرة واسعة ومعرفة في هذا المجال من خلال تعاملي مع بعض الباحثين المختصّين بالآثار الّذين لطالما استعنت بهم لتحليل و قراءة بعض الرّموز، إلّا أنّه تبيّن لاحقًا أنّهم استعملوني كوسيلة للوصول إلى بعض المواقع، حيث كانوا يُقدِمون على تضليلي والتّقليل من أهمّيّة ما أرشدهم إليه، ليعودوا لاحقًا ويقوموا بأعمال الحفر واستخراج ما كان يجب أن يكون لي. فهذه المهنة خطرة جدًا لأنّك في لحظة لا تتوقّعها قد تتعرّض للخداع و الخيانة من أقرب النّاس إليك. وقد تعرّض الكثير من الهواة وكنت منهم للاستغلال من قِبل الرّوحانيّين والنّصّابين.
ويردف" في إحدى المرّات أقنعنا أحدهم بوجود كنز في أحد الأماكن مقابل أن يشاركنا إيّاه حيث كان يُمارس طقوس سِحر غريبة على امرأة كي يستدلّ على الذّهب و جعلنا نحفر في الأرض قرابة ١٤ مترًا لساعاتٍ و ساعات مقابل لا شيء. "
رحلة أبو محمّد للبحث عن الكنز لم تكن بمجملها سرابًا، فلقاؤه الأوّل مع الكنز والّذي كان عبارة عن أوانٍ فخّاريّة لم يكن عاديًّا ، ظنّ حينها أنّ باب الثّراء قد فُتحَ له على مصراعيه إلّا أنّه تعرّض للخداع من قبل بعض السّماسرة الّذين أوهموه بأنّ سعرها لا يتعدّى ال20 دولارًا أميركيًّا، ما دفعه لتحطيمها بعد أن اشتعلت الخلافات بين أعضاء الفريق.
"في رحلة بحث أخرى وجدت ثلاث عملات برونزيّة في مقبرة أثريّة، بعت القطعة منها بمائة دولار لأحد جامعي الآثار ولم يُغطِّ ثمنها كلفة رحلة البحث". يروي أبو محمّد ويختم " استنذفتني هذه السّوسة، وعلى الرّغم من ذلك لا أستطيع تركها أبدًا. يُعوّقني اليوم الوضع الاقتصاديّ وارتفاع كلفة المواصلات إلّا أنّ في حوزتي صورًا لعلامات على صخرة لم تتعرّض للنّهب أو التّخريب ولا يعلم أحد بها، وسأنطلق نحوها فور حيازتي لكلفة الوقود."
أمّا أبو قدّور فابتسم له الكنز دون أن يسعى إليه، يمتلك بستان زيتون في الضّنّيّة حيث وجد أثناء الحفر بهدف البناء قبورًا تعود للحقبة الرّومانيّة بداخلها قوارير فخّاريّة مليئة بالتّراب مع بعض التّماثيل الحجريّة. ويروي لنا بدوره قصّة منحوتته الشّهيرة الّتي أرسل صورتها لأحد السّماسرة عبر تطبيق( واتس أب) طالبًا ثمنها 2500 دولار أميركيّ ليعود ويرسلها الأخير لعدد من الأشخاص ليأتي أحدهم في وقتٍ لاحق ويعرضها على أبو قدّور نفسه بسعر 30 ألف دولار أميركيّ.
أمّا أبو علاء فيروي بحرقة ما حصل معه إثر تعرّضه للخداع على يد السّماسرة، حيث اضطُرّ لبيع مصدر رزقه الوحيد (جرّاره و معدّاته الزّراعيّة) ب10 آلاف دولار أميركيّ لشراء آلة الكشف عن الذّهب الّتي ما لبثت أن تعطّلت ليعاودوا شراءها منه من باعوه إيّاها ب ٢٠٠ دولار أميركيّ.
يُعلّق الباحث و المؤرّخ ابن بلدة كفرحبو-الضّنّيّة غصوب عيسى الّذي عمل قرابة السّنة تقريبًا في لجنة الآثار عن هذه الظّاهرة جازمًا أنّ أغلب الكنوز الّتي تمّ استخراجها في لبنان هي بالدّرجة الأولى رومانيّة، أمّا بالنّسبة للفينيقيّة والعثمانيّة فهي قليلة. مردفًا " الجميع يبحث عن الذّهب من هواة وعلماء روحانيّين، ولكنّ أغلب ما وجدوه عثروا عليه عن طريق الصّدفة، بالإضافة إلى أنّ أعمال الحفر الّتي يقوم بها الهواة تصل في بعض الأحيان إلى أعماق تُشكّل خطرًا على حياتهم، في حين أنّ أغلب الآثار هي على عمق متر إلى متر ونصف بالحدّ الأقصى" .
ظفرت الحاجّة حنّوف بعملات ذهبيّة أثناء قيامها بالتّسليق, وباعتها لتشتري قطعة الأرض المُجاورة لأرضها الّتي لطالما كانت أمنية زوجها المرحوم. ربما هي من القصص الّتي ستجعل الكثير من الطّامحين إلى الثروة يُصابون بحُمّى الذّهب دون أن يلمسوه . فالمفلس ليس فقط من يبحث في دفاتره القديمة عن دين للمطالبة به، فهناك المفلس من الأمل وهو من يتجاوز دفاتره ليبحث في دفاتر أسلافه عن ثروة تُنقذ حاله طمعًا بالثّراء السّريع، عِلمًا أنّ الحصول على الكنز المنشود ليس بالأمر السّهل، فنحن لسنا في سوق اللّقايا.