جبهة لبنان كبّلت يد العدو عن شن حرب شاملة
كَتَبَ المُحَرّرمنذ دخول المقاومة اللبنانية على خط المواجهة الى جانب أهلها الفلسطينيين في غزة، تكشّف حجم المأزق الذي تورّط فيه العدو الإسرائيلي، إذ أصبحت يداه مكبلة عن شن أية حرب واسعة على لبنان.
من يراقب مجريات جبهة لبنان يدرك تمامًا أن الجيش الإسرائيلي أخذ يتراجع على كافة الصّعد، إذ بدأ هجماته بغارات عنيفة وقصف مدفعي كثيف على القرى الجنوبية الحدودية وأوديتها. لكن مع الوقت أخذت دائرة الاستهداف عنده تضيق وغزارة النيران تقل؛ فبعد أن كانت طائراته الحربية تغير على راجمة الصواريخ بما لا يقل عن ثلاث غارات وتستهدفها بأكثر من 20 قذيفة، أصبح يكتفي بغارة واحدة في بعض الأحيان وبما لا يتجاوز الخمس القذائف. هذا بالاضافة الى أن مسيرات العدو التي ظلّت تجوب سماء الجنوب ليل نهار ولأشهر وبشكل مكثّف، بدأت تختفي لأيام، إلا حين تنفيذها محاولة إغتيال وعن إرتفاع شاهق.
كما بدا واضحًا أن بنك أهداف العدو بدأ ينفذ في قرى المواجهة، سواءً في التلال والأودية أو داخل الأحياء السكنية، كدليل على الإفلاس الأمني والعسكري الذي أخذ يعانيه، وهذا ما تطلب منه توسعة دائرة النار نحو العمق اللبناني وإغتيال بعض قادة المقاومة.
على المقلب الآخر من الجبهة وفي الشمال الفلسطيني المحتل، يبدو المشهد أكثر قتامة. حيث بدأ جيش الاحتلال يُستنزف على جميع المستويات، إذ أن ضربات مقاتلي حزب الله صارت نوعيّة ومؤلمة، وأصبحت جميع تحركات العدو مرصودة من طائرات استطلاع الحزب التي لم تعد تفارق سماء الجليل، ما اضطره الى إخلاء غالبية الثكنات والمواقع العسكرية ونقاط التموضع، والتنقل بآليات مصفّحة وبسيارات مدنية وبلباس مدني الى أماكن مستحدثة داخل مباني المستوطنات وتحت أشجار البساتين، عوضًا عن الاحتماء تحت الأرض وخلف الدّشم، كما عَمَد الى اخفاء دباباته وآلياته خلف السواتر.
ورغم كل هذه الإجراءات ظلّت مُسيّرات المقاومة الانقضاضية والصواريخ الموجّهة تطارد جنود الاحتلال وضباطه وآلياته أينما تواجدوا. وما زاد من حالة الارباك لدى القادة الصهاينة، تلك المشاهد التي عرضها الإعلام الحربي للمقاومة اللبنانية التي تظهر أهداف حساسة في حيفا ومحيطها وقرب بحيرة طبريا وفي الجولان السوري المحتل، ومنها ما استحدث خلال فترة الحرب. هذا الوضع المؤلم الذي اشتد وقعه عليهم، بدأ يتكشف تباعًا، حيث تعال صراخ المستوطنين وعويلهم، والجنود اهتزت ثقتهم بقيادتهم وبدأوا بالتهرب من الخدمة جراء الخوف من ضربات المقاومة.
وما تَرجم وضع الجبهة المأساوي على العدو أيضًا؛ التراجع في مطالب الموفدين الغربيين الذين تهافتوا الى لبنان للضغط على حكومته من أجل وقف مساندة حزب الله لغزة، وعلى رأسهم المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكشتاين ووزير خارجة فرنسا ستيفان سيجورنيه، والتي كانت تقضي بسحب قوات الرضوان التابعة للحزب الى شمال نهر الليطاني ووقف الحرب فورًا، والتهديد أن "التصعيد سيكون حتمي وقد يؤدي الى حرب واسعة على لبنان"، حسب رسالة هوكشتاين، أو "سيتم سحق لبنان وجره الى حرب طاحنة تعيده الى العصر الحجري" وفق ما عبّر وزير حرب العدو يوآف غالانت. لكن رغم كل ذلك الصّخب الدولي بقيت المقاومة اللبنانية مصّرة على موقفها بعدم توقف هجماتها قبل أن يتوقف العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة.
من يتابع حركة هؤلاء الموفدين والمطالب التعجيزية التي اقترحوها في البداية، ونزولهم عن الشجرة مؤخرًا بالابتعاد عن السقوف العالية، وباقتناعهم أن جبهة جنوب لبنان لا تتوقف إلا حين تتوقف جبهة غزة، يُدرك أن قدرات حزب الله التي ظهرت بشكل تدريجي في الميدان من حيث انتقاء الأهداف ونوعيتها، فرضت نفسها على مجريات الأحداث، وجعلت من العدو أسير هذه القدرات التي كبّلت يداه عن شن أية حرب واسعة على لبنان أو التفكير بالتمادي أكثر في غزة.