اليمن ينتصر على جراحه ومآسيه ويساند أهل غزّة
كَتَبَ المُحَرّرمن بين ركام الحرب المدمرة التي شُنّت على اليمن، وبالرغم من نزيف الدّم والحصار وألم الجراح والمرض والجوع، تغلّب اليمنيون على معاناتهم ومآسيهم، وهبّوا لنصرة أهلهم الفلسطينيين في غزة، مصرّين على أن يقتسموا معهم ما تبقّى لهم من فُتات الخُبز وقليل الدواء، وأن يدافعوا عنهم بالوسائل المتاحة كلّها.. فقد جابت مظاهرات مليونية مدنهم مندّدةً بالعدوان الإسرائيلي، وقاموا بحملة مقاطعة شاملة لمنتجات الدول الداعمة للعدو، كما عسكروا البحر الأحمر مستهدفين السفن والبوارج المتوجّهة إلى "إسرائيل".
تفاعل اليمنيون بما أصاب أمّتهم في غزّة، كونهم ذاقوا مرارة الحرب والموت مثلهم، وكون القضية الفلسطينية قضية الأمّة الإسلاميّة والعربية جمعاء، فالإجرام في نظرهم واحد. لذلك؛ تشهد ربوع اليمن مظاهرات عارمة مؤيدة لأبناء الشعب الفلسطيني رافضةً للعدوان. ولم يتوقف تحرّكهم عند ذلك، إذ قادوا حملة مقاطعة لمنتجات الدول المساندة للكيان الصهيوني، فكانت من بين أنجح الحملات في العالم، حيث شكّل أبناء الشعب اليمني حملات توعية تبصّر الفئات المختلفة بأهمية مقاطعة تلك المنتجات، وهو ما أعطى الحملة زخمًا شعبيًا وتأثيرًا أكبر على الدول المنتجة.
مع أنّ الحرب التي فُرضت على اليمنيين من الخارج ودمّرت اقتصادهم، فأصبح غالبيتهم فقراء معدومين بحاجة إلى الإغاثة والإعانات الدولية، إلا أنّهم هبّوا لنجدة الغزاويين المحاصرين، وأبوا إلّا أن تكون شحنات مساعداتهم من بين تلك المساعدات التي قدّمتها دول كبيرة وغنية. فقد أعلن اليمن عن إرسال أول شحنة من المساعدات إلى غزّة عبر معبر رفح، تضمنت 40 طنًا من الأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى مولدات كهربائية وبطانيات، وتبعها عدد من الشحنات.
بعد أقل من أسبوعين على عملية "طوفان الأقصى"؛ وفي خطوة عملية جريئة أذهلت كلّ التوقعات العسكرية للدول الداعمة لكيان العدو، أعلنت حركة "أنصار الله" اليمنية، وعلى لسان قائدها السيد عبد الملك الحوثي، دخولها ميدان المواجهة إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم، فعدّت البحر الأحمر من خليج العقبة حتى باب المندب محرَّمًا على الكيان الصهيوني، ما يعني استهداف السفن والبوارج المتجهة نحوه، وذلك ردًا على رفضه تلبية المطالب الإنسانية الضرورية لأهل قطاع غزّة ووقف العدوان.
في تطور أولي لافت، بدأت حركة "أنصار الله" عملياتها على ميناء أم الرشراش جنوب فلسطين المحتلة وأهداف حساسة في "إيلات"، واعترضت في البحر الأحمر المدمرة الأميركية "يو إس إس كارني" في 19 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بثلاثة صواريخ سكود وثماني طائرات مسيّرة، وذلك في مرحلةٍ أولى من مراحل الإسناد لقطاع غزّة، فاهتزّ كيان الاحتلال وتحرّك اللّوبيات الصهيونية في أوروبا وأميركا، ليشكّلوا ورقة ضغطٍ غير مسبوقة على السياسية الخارجية لهذه الدول.
في المقابل؛ صعّدت القوات المسلحة اليمينة عملياتها ووسّعتها لتنطلق المرحلة الثانية، التي فرضت حصارًا بحريًا على الملاحة الإسرائيلية والمتجهة إلى موانئ فلسطين، وربطت ذلك بشرط توقف العدوان ورفع الحصار عن غزّة. وانتقلت بعد ذلك إلى المرحلة الثالثة من التصعيد في توسيع عملياتها، وكانت المفاجأة أن أعلن المتحدّث العسكري باسمها العميد يحيى سريع وصول الأسلحة اليمنية إلى المحيط الهندي. وبهذا تمكّن اليمن من منع السفن الإسرائيلية أو السفن الأخرى المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلّة من العبور عبر رأس الرجاء الصالح.
بعد الفشل والتراجع والسقوط الأميركي البريطاني، مهّد السيد الحوثي مرحلةً جديدة أطلق عليها المرحلة الرابعة، أعلن فيها استهداف كل سفن الشركات المتعاملة مع "إسرائيل"، ما مثّل ضربةّ اقتصادية كبرى للعدو الإسرائيلي وداعميه. وبهذا يكون اليمن قد جعل مياه البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي والبحر المتوسط محرّمةً على كل شركة قد تتجرأ وتدعم الكيان الغاصب، ولو بسفينة واحدة.
ونتيجة لهذه الهجمات، وصل إجمالي عدد السفن المستهدفة المرتبطة بالعدو الإسرائيلي وحليفه الأميركي مع بداية شهر أيار/مايو الفائت إلى 107 سفن؛ حيث أُغرقت السفينة البريطانية "روبيمار" وفشلت الأسلحة كلّها في حمايتها.. وبعد أن وجدت أميركا وبريطانيا قواتهما عرضة للاستنزاف والاستهداف المباشر، انطلقتا من أجل إعادة تموضع قواتهما من جديد. وتباعًا، غادرت هذه السفن الحربية البحرية والفرقاطات وحاملات الطائرات البحر الأحمر، وعادت إلى مرابضها.
ومع تكرار هجمات "أنصار الله"؛ أنشأت الولايات المتحدة في 19 كانون الأول/ديسمبر تحالفًا يتولّى صدّ هجماتها وإحباطها التي أذهلت العالم، فشكّلت "تحالف الازدهار". وردّ السيد الحوثي على إنشاء هذا التحالف: "بجعل البوارج والمصالح والملاحة الأميركية هدفًا لصواريخنا وطائراتنا المسيّرة وعملياتنا العسكرية". ومع صدور قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2722، في 10 كانون الثاني/يناير، والذي طالب بالوقف الفوري لجميع هذه الهجمات، شنّت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عمليات قصف على أهداف يمنية في محافظات صنعاء والحديدة وحجة وذمار وتعز وصعدة، أدت إلى سقوط عشرات الشهداء. وبهذا يكون اليمنيون قد سجلوا شرف المساندة لأهلهم في غزّة.
هكذا، أعادت الضربات الأميركية - البريطانية غسل حقيقة "أنصار الله" من غبار التشويه الذي علق بها طوال سنوات، بينما لم يجد ألدّ الخصوم ما يمكنهم قوله أمام شعب خرج من الحرب والمجاعة، وعاد إليها نصرة للمقاومة في غزّة. لقد كسب اليمن جماهير الأمتين العربية والإسلامية، وأبرزَ القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام، وأعاد إليها التوازن من جديد، في ظل التآمر والتخابر والإسهام مع العدو في حرب الإبادة على غزة، وفي ظل دعم غير محدود أوروبيًا وأميركيًا.