طرابلس المشلولة إقتصادياً تختنق: المسؤولون يكتفون بالتفرّج
عبد الكافي الصمدنشرت عدّة منصّات لوسائل التواصل الإجتماعي، الثلاثاء 24 آذار الجاري، صوراً لشوارع في طرابلس، وفي ساعات الذروة ظهراً، بدت فيها خالية من السيّارات: مثل بولفار نهر أبو علي، باب الحديد، شارع عزمي، الشّارع الرئيسي في الزاهرية، وشوارع وأحياء في أبي سمراء، وهي شوارع إعتادت أن تشهد دائماً إزدحاماً خانقاً لحركة السير فيها أغلب ساعات النّهار.
كثيرون ردّوا هذه الظّاهرة السّلبية الغريبة عن المدينة، وغير المسبوقة في تاريخها حتى في أيّام الحرب الأهلية وجولات الإشتباكات، التي تأتي قبل نحو 10 أيّام من بدء شهر رمضان المبارك الذي اعتادت المدينة أن تشهد فيه إزدحاماً كبيراً، إلى ارتفاع أسعار المحروقات، ما دفع أغلبية أهالي المدينة إلى ركن سيّاراتهم جانباً وعدم تشغيلها إلّا وقت الضرورة، والذهاب إلى أعمالهم أو دراساتهم مشياً على الأقدام. وهو مشهد بدا لافتاً خلال الأيّام الأخيرة بالنسبة لطلاب الجامعة اللبنانية في "مون ميشال"، الذين اضطرتهم الظروف المالية والمعيشية الصعبة التي يعيشونها مع أهاليهم، خصوصاً أنّ أغلب هؤلاء الطلّاب ينحدرون من عائلات فقيرة ومتوسطة الحال، إلى الذهاب مشياً إلى جامعتهم، والعودة منها أيضاً، إلى حدّ بات معه منظر مئات الطلّاب منتشرين على الطريق المؤدية إلى الجامعة، برغم بعدها عن أماكن سكنهم، منظراً طبيعياً ومعتاداً.
لا شكّ أنّ إرتفاع أسعار المحروقات بشكل قياسي على نحو يفوق قدرة المواطنين على التحمّل، واقتراب سعر صفيحة البنزين من عتبة مليون و900 ألف ليرة، يعني أنّ المواطنين فرضوا على أنفسهم نظاماً قاسياً للعيش للتأقلم مع الظّروف القاهرة التي يعانونها، ومن أهمها الإستغناء عن السيارة، من ضمن أشياء كثيرة إستغنوا عنها، والإستغناء كذلك عن ركوب سيّارات التاكسي، لأنّ قيمة رواتبهم لا يمكنها الإستعانة بهاتين الوسيلتين للتنقل، وعليه بات أمامهم خيارين لا ثالث لهما، أحلاهما مُرّ: الأول الذهاب مشياً إلى أشغالهم ومدارسهم وجامعاتهم، أو البقاء في المنازل.
كلّ ذلك تزامن في طرابلس مع مشهد لم تعرفه أيّ منطقة لبنانية أخرى، ما يدلّ على حجم الفقر والمأساة المعيشية والإجتماعية التي تعانيها الغالبية في المدينة. فمنذ الإعلان عن بدء شركة كهرباء لبنان تحصيل فواتيرها إبتداءً من مطلع العام الجاري وفق تسعيرة جديدة، تتضمن مبلغاً مقطوعاً لا يقلّ عن 900 ألف ليرة شهرياً تحت بند إشتراك ورسم تأهيل، شهدت مكاتب شركة قاديشا في طرابلس إزدحاماً كبيراً من المواطنين الذي توافدوا إليها بهدف توقيف عدّادات الكهرباء عن العمل، بعدما أعلن معظمهم صراحة أنّه ليس بمقدروهم دفع 900 ألف ليرة شهرياً للدولة، إلى جانب دفعهم فاتورة مولّد الإشتراك الخاص، من غير أن ينيروا في بيوتهم ولو لمبة واحدة.
ولأنّ المصائب لا تأتي فرادى، فوحدها مدينة طرابلس عانت من المنغّصات والأزمات أكثر من أيّ مدينة لبنانية أخرى. فالإشكالات الفردية التي رافقها دائماً إطلاق الرصاص، والخوّات التي يفرضها القبضايات والزّعران على المحال التجارية وأصحاب البسطات، وحتى على الأرصفة، جعلت كثيرين من خارج طرابلس يعزفون عن زيارتها والتجوّل في شوارعها إلى جانب التسوّق من أسواقها التي تتصف بأنّها أرخص من غيرها من بقية الأسواق اللبنانية، وجعل لقب مدينة "إم الفقير" تحمله عن جدارة.
مظاهر الشّلل التي تخيّم على طرابلس وتكاد تخنقها، تترافق مع تجاهل حكومي واسع لها، وسط تساؤلات أين هو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إبن المدينة، من وصول مدينته إلى هذا الحضيض، وهل وصل إلى مسامعه أنّ جمعيات خيرية بسيطة تنير شوارع المدينة الغارقة في ظلام دامس، بينما لم يبدر عنه أيّ مبادرة ـ ولو بسيطة ـ لإخراج المدينة من العتمة القاتمة، ولا في وضع حدود لأصحاب المولدات الكهربائية الخاصّة وإجبارهم على الإلتزام بتسعيرة وزارة الطاقة كما هو الحال في أغلب المناطق اللبنانية، إلا في طرابلس.
والسّؤال موصول أيضاً إلى وزراء ونوّاب المدنية، الحاليين والسّابقين. أين هم من احتضار عاصمة الشّمال، وهل يؤدّون دورهم المطلوب منهم كما يجب أم يتقاعسون كالعادة، وأين هي الفاعليات الإقتصادية والإجتماعية في المدينة، وأين هي البلدية، ولماذا تتجاهل بهذا الشكل المريب العاصمة الثانية، وكيف يمكنهم أن يكتفوا بالتفرّج على مدينة تخسر روحها ورونقها ومقوماتها يوماً بعد آخر؟