التقرّب من برّي: آخر أوجه الصراع بين التيّار والقوات؟
عبد الكافي الصمدمنذ بدء الصراع بينهما، سياسياً وشعبياً وإعلامياً ودموياً في العامين 1989 و1990، والذي لم ينتهِ فصولاً بعد، وقف التيّار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية على طرفي نقيض من مختلف القضايا والملفات الداخلية، إذ أنّ أيّ موقف لأحدهما من قضية ما إيجاباً أو سلباً كان يقابله الطرف الآخر بالعكس، بشكل جعلهما يبدوان مثل خطّين مستقيمين يسيران جنباً إلى جنب ولكن لا يلتقيان أبداً.
منذ ذلك الحين قبل زهاء 35 عاماً، لم يتفق الطرفان في محطات رئيسية سوى مرتين: الأولى في العام 2016 عندما مشت القوات بخيار العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية تحت شعار "أوعا خيّك" من أجل قطع الطريق على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والحؤول دون انتخابه رئيساً؛ والثانية العام الماضي عندما "تقاطع" التيار والقوات على تأييد إنتخاب وزير المالية السابق جهاد أزعور رئيساً للجمهورية، لكن تشبيك الطرفين أيديهما في العام 2016 لم يستمر طويلاً، وسرعان ما عاد الفريقان الى سيرتهما الأولى من الصراع، وانطبق الأمر ذاته أيضاً على خيار أزعور الرئاسي بعدما تبيّن أنه تقاطع عابر، وهذه المرة أيضاً من أجل قطع الطريق، إن أمكنهما ذلك، على فرنجية عسى هذا التقاطع يقطع عليه طريق قصر بعبدا.
هذا التباعد بين الفريقين لأسباب كثيرة إمتزج فيها السّياسي بالشخصي والحضور على الساحة المسيحية نتيجة إدعاء كل منهما أنه يمتلك الأكثرية الشعبية والنيابية، وصل في الآونة الأخيرة إلى علاقة كلّ منهما برئيس مجلس النواب نبيه برّي؛ ففي حين إبتعدت القوّات عن رئيس المجلس مؤخراً ولا توفّر وسيلة لانتقاده، سار التيّار الوطني الحرّ في الإتجاه المعاكس وتقرّب من برّي، إقتناعا أو نكاية، في مشهد معبّر عن علاقة الفريقين مع مختلف القوى والتيّارات على السّاحة السياسية.
فقد هاجمت القوات يوم أمس برّي على دعوته إلى "حوار" أو "تشاور" برئاسته يُشكّل تمهيداً لإنجاز الإستحقاق الرئاسي، مؤكّدة أنّ "التشاور الذي يقصده برّي بطاولة حوار برئاسته ليس إلزامياً كما يقول، إذ لا يوجد أيّ نص دستوري يجعل من التشاور هو الممر الإلزامي، ونأمل من برّي وغيره الإلتزام بالدستور ونصوصه وليس الإنقلاب عليه"، معتبرة أن "السبيل لإخراج انتخاب الرئيس من الدوران في حلقة مفرغة سهل جدّاً وهو أن يدعو برّي لجلسة إنتخابية بدورات متتالية حتى انتخاب الرئيس، وأن يلتزم نواب برّي ونواب الممانعة بالمشاركة في الدورات كلّها والإقلاع عن النهج التعطيلي".
لكن قبل أن يجف حبر كلام القوّات كان رئيس التيّار البرتقالي النائب جبران باسيل يزور برّي ومشيداً به، ولافتاً إلى أهمية التفاهم ومعتبراً أنّ التوافق على التفاهم أفضل بكثير من انتخاب رئيس، ما دفع برّي إلى القول إنّ "باسيل حكي بالتوافق وأيّد الحوار بآليتي وبرئاستي، ومن هذه الناحية جبران أفضل من غير"، ما دفع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع للرد: "الله يبارك للرئيس برّي بباسيل. بكافة الأحوال إنّ الطيور على أشكالها تقع".
ما سبق لا يدلّ فقط على خلاف بين الطرفين، التيّار والقوات، من علاقتهما ببرّي ومن طروحاته، مع أنّ هذا في الشكل واضح، لكنّ الأمر أعمق من ذلك بكثير، وهو يعود إلى بدايات سنوات صراعهما أواخر ثمانينات القرن الماضي، وهو صراعٌ لا يتوقع أن ينتهي قريباً، طالما أنّ كلّ طرف يعتبر أن معاكسة الطرف الآخر والوقوف على نقيض منه هي السياسة المثلى التي يجب أن تتبع بهف تسجيل النقاط السياسية على بعضهما، ولكسب شعبية هنا أو هناك في الشارع المسيحي، ولو كان هذا النهج السياسي بعيداً عن المنطق والواقع ومناقض للحقائق والوقائع.