أساس ميديا: وقائع قتل الشيخ الرفاعي: نصّار تدّعي على الموقوفين الخمسة
كتبت ملاك عقلخلف "عَمامته" وسطوته وارتكاباته التي تفرّجت عليها الدولة "الغافية" لسنوات طويلة تحصّن رئيس بلدية القرقف العكارية الشيخ يحيى عبد الكريم الرفاعي معطياً "أمر المهمّة" إلى نجله علي وأبناء شقيقته الثلاثة بإنهاء حياة الشيخ أحمد الرفاعي ودفنه في حفرة لا نغالي في القول إنّ "الدولة العليّة الفالتة" شريكة أولى في حفر أمتارها الثلاثة.
الخلاف المُزمِن بين "الشيخين" وإطلاق النار والاعتداءات المُسلّحة والترهيب والتهديد بقتل الشيخ أحمد الرفاعي وحَرق سيارته وكفّ يد رئيس البلدية والدعاوى القضائية بحقّه بتهم إهدار المال العامّ وبيع المشاعات والتهريب، كلّ ذلك لم يكن كافياً لوضع حدّ للشيخ ومحاسبته ورميه في السجن وضبط "ترسانته الحربية" التي اكتُشفت من قبل "شعبة المعلومات" أثناء تفتيش منزل رئيس البلدية بعد حصول الجريمة.
بالتأكيد سرّعت الانتخابات البلدية التي تدقّ الأبواب قرار الإجهاز على الشيخ أحمد بعدما حاول الأخير منع انتخاب رئيس البلدية مجدّداً عام 2016، وكان يُعدّ لسلسلة من الادّعاءات والشكاوى والملفّات الدسمة بحقّه.
الجريمة مُتقنة لم يَترك مرتكبوها آثاراً، لكن الـ Perfect crime انفضحت بعد أيام قليلة من وقوع الجريمة. فحسم هويّة المتورّطين والخلفيّة العائلية الثأرية للجريمة وضعا حدّاً لمشروع فتنة مذهبية كادت "تولّع" الشمال وربّما تتمدّد إلى باقي المناطق. أمّا رئيس البلدية نفسه فكانت مصالحه الانتفاعية "شابِكة" مع الجميع ولا تعرف حواجز طائفية وسياسية.
لوحظ أنّ الشيخ يحيى الرفاعي نادراً ما كان خلال رئاسته للبلدية يرتدي العمامة، إلا أنّ أقرباءه أكّدوا إصراره على الذهاب إلى التحقيق واضعاً العمامة على رأسه
توصّلت "شعبة المعلومات" إلى خيوطٍ أساسية قادت إلى مسؤولية نجل رئيس البلدية بشكل أساسي. بعدها تحرّكت مجموعة من "القوّة الضاربة" في "شعبة المعلومات" من بيروت باتجاه عكار وتمكّنت من توقيف علي الرفاعي ومَن معه.
التحقيق الفوري مع المذكور ومواجهته بالأدلّة الدامغة لم يتركا له أيّ منفذ فقام بتقديم اعتراف كامل تضمّن الرواية الكاملة ذاكراً أسماء المُشاركين في العمليّة حصراً، وهم، بالإضافة إليه، والده رئيس البلدية وأولاد عمّته الثلاثة أحمد محمد الرفاعي ويحيى محمد الرفاعي وعبد الكريم محمد الرفاعي.
الادّعاء على الموقوفين الخمسة
الساعة الرابعة والنصف من تاريخ 20 شباط الماضي غادر الشيخ الرفاعي منزله في بلدة القرقف العكاريّة ولم يعد. شكّل انتقاله إلى طرابلس المحطة الأخيرة في مسار نزاعٍ طويلٍ مع رئيس البلدية المتحرّر منذ سنوات من قبضة الأجهزة القضائية والأمنية، وانتهى الأمر به جثّة مدفونة تحت التراب. في اليوم التالي قصد شقيقه مخفر برقايل مؤكّداً أنّ "الاتّصال منقطع مع الشيخ وهاتفه مقفل ولا نعلم عنه شيئاً".
تلقائياً تحرّكت الأجهزة الأمنية فيما كانت عكار قد بدأت تغلي بالشائعات والاتّهامات السياسية المُعلّبة وبحسب الأهواء، تارة ضدّ حزب الله والأمن العام، وتارة ضدّ الجيش أو سورية، مهدّدة باشتعال "ميني" حرب أهلية.
لم تخرج المسؤولية المباشرة عن الجريمة الشنيعة عن دائرة الموقوفين الخمسة، حيث تؤكّد معلومات "أساس" أنّ قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصّار ادّعت عليهم جميعاً وحوّلت الملفّ إلى النيابة العامّة في الشمال.
"خلطة" إجراميّة
هي "خلطة" من العقل الانتقامي لرئيس البلدية مع عقل مخطّط لنجله علي تاجر السيارات الحائز شهادة في إدارة الأعمال والمتأثّر، وفق اعترافاته أمام محقّقي "المعلومات"، بأفلام الجريمة والعصابات المسلّحة والحاقد كوالده على الشيخ أحمد، وفوقهما مؤازرة "على العمياني" من الأشقّاء الثلاثة أولاد العمّة.
كشفت التحقيقات أنّه بعد وصول السيارات الثلاث إلى رأس مسقا قاد الأخوان عبد الكريم ويحيى إحدى سيّارتَي KIA، وقاما بركنها قرب "سبينس"، ثمّ انتقلا إلى بلدة القرقف على متن سيارة شقيقهما عبد الكريم
عمليّة الاستدراج
اشترى علي الرفاعي رقمين هاتفيَّين وبدأ التخطيط للعملية بضوء أخضر مباشر من والده. منذ شهر تحديداً فتح الخطّين وبدأ التواصل بشكل شبه يومي مع الشيخ أحمد الرفاعي عبر الواتساب مع وضع صور وهميّة لفتاتين افتراضيَّتين لكلّ من هذين الخطّين، ثمّ بدأ علي استدراجه عبر محادثات واتساب من منطلق حاجة إحدى السيّدتين (الوهميّتين) إلى مساعدة مادّية.
في التوقيت نفسه وبعدما بدأ يقترب موعد اللقاء "الافتراضي" كان علي يُجهّز حُفرة الموت في منطقة سدّة البارد "على البارد" وبسرّيّة، مستعيناً بمساعدة ابن عمّته أحمد الرفاعي من دون أن يَعلم الأخير بدايةً الهدف من ذلك.
خطّة مُحكمة
خطّط علي الرفاعي، بالتنسيق مع والده، لكلّ تفصيلٍ بدقّة: رصد مِراراً محيط المكان الذي سيلتقي فيه الشيخ الرفاعي في منطقة المينا - رأس الصخر بالقرب من الجامعة العربية، ودرس مسار الخطّة وصولاً إلى رأس مسقا. وقد اعترف رئيس البلدية بأنّه قبل ساعات من الجريمة انتقل مع نجله علي إلى المكان المحدّد للرصد قبل التنفيذ.
حين سُئِل رئيس البلدية عن سبب ارتكابه الجريمة قال: "لو بتعرفوا شو عامل فيي؟". مع ذلك، لا يزال الشيخ يحيى يَرمي فعل الجريمة بشكل أساس على نجله علي، والأخير يتماهى معه في الكلام، لكنّ كلّ الوقائع والأدلّة تشي بغير ذلك.
استكشف نجله علي نقاط توزيع كاميرات المراقبة واشترى ربطات بلاستيك لتقييد الشيخ أحمد مع سترات مرقّطة طلب من المنفّذين ارتداءها على طريقة أفلام الأكشن، إضافة إلى بنادق حربية كانت متوافرة في "مخزن" والده في مدرسة "الأندلس" التي يملكها، وهيّأ السيّارتين اللتين ستُستخدَمان في العملية، وهما KIA CERATO لونها أسود و KIA OPTIMAلونها رمادي، مزوِّداً إيّاهما بـ"حاجب رؤية" (فوميه) ولوحات مزوّرة.
رئيس البلدية "يوصّي" بابنه!!
الأهمّ أنّ المتورّطين لم يحملوا خلال كلّ تحرّكاتهم هواتفهم الخلوية بل أجهزة لاسلكي. مع ذلك، فإنّ ثغرة أساسية مكّنت "شعبة المعلومات" في الأيام الأولى من حصول الجريمة من مسك الخيط الأول و"اصطياد" مرتكبي الجريمة بضربة واحدة، ثمّ جرّ رئيس البلدية برِجليه إلى مقرّ "الشعبة" حيث طلب في البداية أن "يتوصّى" محقّقو "المعلومات" بابنه علي "لأنّه مطلوب بمذكّرات توقيف"، نافياً علمه بداية بالجريمة.
لكن سرعان ما اعترف بجريمته الفظيعة التي ارتكبها بدم بارد، ثمّ بدأ يرمي بثقل الجريمة والتخطيط على نجله. المتّمهون الخمسة لا يزالون موقوفين لدى "شعبة المعلومات"، والجيش يُرابض حتى الآن في البلدة تحسّباً لأعمالٍ انتقامية.
في اليوم نفسه للجريمة طلب علي من أولاد عمّته الحضور إلى منزله للقاء والده ووضع اللمسات الأخيرة على العملية
"موكب" الجريمة
قبل ثلاثة أيام تقريباً من وقوع الجريمة أبلَغَ علي، بالتنسيق مع والده رئيس البلدية، أولاد عمّته أحمد وعبد الكريم ويحيى بخطّته وبأن لا خوف من انكشافهم بسبب دقّة التخطيط، فاستجابوا من دون تردّد.
في اليوم نفسه للجريمة طلب علي من أولاد عمّته الحضور إلى منزله للقاء والده ووضع اللمسات الأخيرة على العملية.
قبل وصول الشيخ أحمد الرفاعي إلى مكان الاستدراج مساء 20 شباط انتقل علي الرفاعي برفقة ابن عمّته يحيى إلى طرابلس مع كامل عُدّة الخطف والقتل ضمن إطار التمويه بانتظار حلول ساعة الصفر، فيما تحرّك والده الشيخ يحيي مع أحمد الرفاعي متوجّهين نحو سوبرماركت سبينس في طرابلس لاصطحاب عبد الكريم الذي يعمل موظّفاً فيها، ثمّ انتقلوا جميعاً إلى مكان تنفيذ عملية الخطف.
عند المساء أرسل علي الـLocation في منطقة المينا إلى الشيخ أحمد الرفاعي على اعتبار أنّه الفتاة التي سيلتقيها. وفور وصوله في سيّارته هوندا، قطع الطريق عليه ووضعه، بعد ضَربه وتقييده، في صندوق السيارة التي كان يقودها رئيس البلدية، فيما تولّى أحمد الرفاعي قيادة سيارة الشيخ المخطوف. وفق مخطّط علي سلكت السيارات الثلاث مسار طرابلس - محلّة القلمون - أنفه - رأس مسقا. وفي أكثر من نقطة كان يتمّ توقيف "موكب الجريمة" من أجل ضرب الشيخ أحمد وتعذيبه داخل صندوق سيارة رئيس البلدية.
كشفت التحقيقات أنّه بعد وصول السيارات الثلاث إلى رأس مسقا قاد الأخوان عبد الكريم ويحيى إحدى سيّارتَي KIA، وقاما بركنها قرب "سبينس"، ثمّ انتقلا إلى بلدة القرقف على متن سيارة شقيقهما عبد الكريم.
أمّا أحمد فرَكَنَ سيارة المغدور في محيط مستشفى الهيكلية بعد نزع اللوحات عنها، وغادر في سيارة KIA الثانية برفقة رئيس البلدية ونجله علي، وانتقلوا إلى منطقة لا ترصدها الكاميرات في منطقة المَعرض وقاموا بتصفية الشيخ الرفاعي داخل الصندوق بواسطة مسدّس حربي، ثمّ تحرّكوا باتّجاه بلدة القرقف ودفنوا الجثّة في الحفرة.
لم يتوانَ رئيس البلدية القاتل بعد ارتكاب الجريمة عن عقد مؤتمرات صحافية معتبراً أنّ قضية اختطاف الشيخ الرفاعي "بحجم الوطن"، قائلاً: "اختلفنا معه في السياسة لكن لم نفكّر يوماً أن تصل الأمور إلى هذا الحدّ. بدنا الحقيقة، وإذا كان ذهابي إلى التحقيق يفيد في كشف الحقيقة فسأتنازل عن حصانتي الدينية والإدارية كرئيس بلدية لإظهار الحقيقة".
وقد لوحظ أنّ الشيخ يحيى الرفاعي نادراً ما كان خلال رئاسته للبلدية يرتدي العمامة، إلا أنّ أقرباءه أكّدوا إصراره على الذهاب إلى التحقيق واضعاً العمامة على رأسه.