قانون البلديّات الجديد: هل تسير طرابلس على خُطى بيروت؟
عبد الكافي الصمدقبل أسابيع قليلة كان وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسّام مولوي لا ينفكّ يؤكّد أنّ الإنتخابات البلدية والإختيارية ستجري في موعدها المحدد في شهر أيّار المقبل، وأنّ وزارته على أتم الإستعداد لإجرائها، مستبعداً أيّ تأجيل لها، قبل أن تنقلب الآية في الأيّام الأخيرة، حيث بدأت أوساط مختلفة تتحدث عن ترجيح كفّة تأجيل هذا الإستحقاق وتمديد ولاية المجالس البلدية مرّة جديدة، بعد تمديد أوّل العام الماضي.
أكثر من سبب جعل خيار تأجيل إجراء الإنتخابات البلدية خياراً واقعاً، بدءاً من عدم توافر الأموال اللازمة لإجرائها، وهي بقيمة 12 مليون دولار تقريباً، في ظلّ أزمة إقتصادية ومالية خانقة تعاني منها الخزينة العامّة، ورغبة القوى السّياسية الرئيسية بتأجيل الإنتخابات، إضافة إلى ما بدأ البعض يتحدث عنه مؤخّراً من أنّ تأجيل الإنتخابات البلدية متلعق بإنجاز القانون الجديد لهذه الإنتخابات الذي ما يزال موضع دراسة داخل اللجان النيابية، وهو قانون يرى متابعون أنّ إنجازه سيستغرق وقتاً، ما يعني أنّ خيار تمديد ولاية المجالس البلدية عامين بدلاً من عام واحد، كما جرى العام الماضي، يبدو خياراً متداولاً.
ولم يعد خافياً أنّ عدم التوافق على الصيغة التي ستخاض بها الإنتخابات البلدية في العاصمة بيروت هو أحد الأسباب الإضافية التي تقف وراء خيار تمديد ولاية المجالس البلدية، لأنّه في ضوء قانون البلديات الحالي القائم على الأكثرية وعدم توزيع المقاعد حصصاً بين الطوائف والمذاهب، وفي ظلّ غياب أيّ قوة سياسية يمكنها رعاية تشكيل لائحة توافقية واسعة تحافظ على توزيع المقاعد الـ24 للمجلس البلدي مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، كما كان الحال أيّام الرئيس الراحل رفيق الحريري ونجله الرئيس سعد الحريري، فإنّ "التوازن" المطلوب يبدو مهدّداً، إلى حدّ ذهبت بعض التحليلات إلى توقّع أن لا يفوز المسيحيون بأكثر من عضوين إلى 4 فقط، وصولاً إلى حدّ تشاؤم آخرين من فقدان المسيحيين تمثيلهم في المجلس البلدي في بيروت، ما جعل تأجيل الإنتخابات أمراً مفروضاً إلى حين إيجاد مخرج لتمثيل المسيحيين بشكل قانوني، إمّا بتخصيص عدد مقاعد محدد لهم كما هو الحال في الإنتخابات النيابية، أو تقسيم بيروت إلى بلديتين: الأولى ذات أكثرية إسلامية والثانية ذات أكثرية مسيحية.
مصادر سياسية مطلّعة أوضحت لموقع "06News" أنّ اللجان النيابية "أنجزت دراسة نحو 70 % من قانون الإنتخابات البلدية الجديد، وبأنّ النقاش متوقف حالياً، بانتظار توافق القوى السياسية، حول نقاط معينة منها إجراء الإنتخابات البلدية وفق القانون النسبي وليس الأكثري، وتحديداً في العاصمة بيروت ومراكز المحافظات ومراكز الأقضية، والبلديات الكبرى التي لا يقلّ عدد أعضائها على 21 عضواً، وتوزيع المقاعد فيها طائفياً ومذهبياً". وأضافت المصادر أنّ "هذا النقاش يحتاج وقتاً، وقانون البلديات الجديد لن يبصر النّور قبل التوصّل إلى حدّ أدنى من التوافق السياسي حوله، بعدما بات الجميع مقتنعاً أنّه ليس ممكناً إجراء الإنتخابات البلدية وفق القانون القديم الذي تجاوزه الزمن".
لكنّ النقاش الذي يدور عالياً وصاخباً حول الإنتخابات البلدية المقبلة في بيروت، يدور كذلك في طرابلس وإنْ بشكل أقل صخباً. فعاصمة الشّمال أو العاصمة الثانية هي المدينة الوحيدة في لبنان التي تتشارك مع بيروت في عدد أعضاء المجلس البلدي فيهما، وهو 24 عضواً، أدّت نتائج الإنتخابات البلدية فيها في دورات ما بعد الحرب الاهلية، أعوام 1998 و2004 و2006 و2016 إلى خلل في توزيع المقاعد فيها بين الطوائف والمذاهب، وصولاً إلى تغييبها بالكامل، باستثناء إنتخابات 2010 التي جرت برعاية القوى السّياسية الرئيسية كافّة، وجرى فيها حفظ التمثيل الطّائفي والمذهبي فيها.
فطرابلس التي جرى عام 2010 إلتزام العرف فيها بتوزيع مقاعد المجلس البلدي فيها بين 19 مقعداً للطائفة السنّية، وهي الأغلبية (82 %)، ومقعدين للروم الأورثوذكس (5 %) أحدهما يحتلّ منصب نائب الرئيس، ومقعدين للعلويين (8.5 %) ومقعد للموارنة (1.6 ِ%)، لا يمكن الحفاظ على هذا العرف إلّا بقانون، في ظل عدم وجود توجّه لدى المعنيين لتقسيم المدينة واستحداث بلديات جديدة في مناطقها وأحيائها.
في كتابه "بلديتا طرابلس والميناء: من التأسيس وتعيين الوجهاء إلى دور المجتمع المدني" يروي رئيس المجلس الثقافي للبنان الشّمالي الزميل صفوح منجّد أنّ بلدية طرابلس التي جرى تأسيسها عام 1877 ، أيّام العثمانيين، عُيّن أوّل مجلس بلدي فيها عام 1892 (بلغ عدد سكّان طرابلس حينها نحو 30 ألف نسمة، وكانت الميناء تشكّلان بلدية واحدة قبل إنفصالهما عام 1963 إلى بلديتين) وكان مكوّناً من 9 أعضاء برئاسة المفتي عبد الرحمن أفندي، وضمّ إرثوذكسياً ومارونياً في عضويته، واستمر هذا التوزيع الطّائفي لبلدية المدينة أيّام الإنتداب الفرنسي، سواء بالتعيين أو عن طريق الإنتخابات.
ويصف منجّد طريقة الإنتخاب والترشيح التي جرت قبل قرابة قرن من الزمن، بطريقة تبدو في بعض جوانبها أكثر تقدّما ًوتحضّراً من قانون الإنتخابات البلدية الحالي، فيقول: "إنّ الإنتخاب والترشيح كانا وقفاً على دافعي الضرائب أو أصحاب الحيازات العقارية، وترسل كلّ محلّة في طرابلس ممثلين إثنين عنها، وكذلك الأئمة ورجال الدّين المسيحيين من مختلف الطوائف. ويجتمع هؤلاء "الذوات"، أيّ بذاتهم، لانتخاب أعضاء المجلس البلدي كلّ عام، ويسقطون نصف الأعضاء بالقرعة عند نهاية كلّ عام".