الألبسة المستعملة...outfit الأزمة
كتب مروان جلولدخلت تجارة الثّياب المستعملة إلى لبنان في منتصف السّتّينيّات, وعُرفت "بالبالة" ارتباطًا بطريقة توضيبها بأكياسٍ كبيرة من الخيش والمعروفة أيضًا بالاسم نفسه, لتحجز هذه التّجارة مع الوقت لنفسها مساحة واسعة ضمن الأسواق الشّعبيّة في طرابلس ولتشهد حاليًّا انتشارًا أوسع في البلدات والقرى الشّماليّة.
عقب العام 2019 وما حمله من متغيّرات اقتصاديّة أثّرت على السّلوك الاستهلاكيّ في لبنان ما أدّى إلى توسّع في ظاهرة شراء الألبسة المستعملة, حيث تشير الأرقام إلى تضاعف حجم استيراد الألبسة المُستعملة وِفقَ أرقام "إدارة الجمارك"، حيث ارتفع حجم الاستيراد من 12,70مليون دولار في العام 2019 إلى 24,34 مليون دولار في العام 2022 .
"أوكّازيون أوكّازيون" "أيّ قطعة بدولار" صيحات تصدح ترويجًا لظاهرة "البالة".
"أبو عبدو" و هو أحد تجّار البالة في السّويقة-طرابلس يقول: " معظم هذه البالات ألمانيّة و غالبًا ما يتمّ شحنها إلى لبنان عن طريق تجّار أتراك أو لبنانيّين، ويتراوح سعر الكيلو من خمسةِ دولارات وصولاً إلى 15 دولارًا وتصنّف وفق جودتها، وأغلاها ثمنًا المصنّفة من فئة "الكريم" وهي أقرب إلى الألبسة الجديدة."
ويضيف "البالة ليست بالة على الإطلاق، فالاسم مختلف تمامًا عن المضمون، فهناك اللّقطات الّتي لا يعرفها إلّا من كان لديه خبرة في البحث ، ومعرفة دقيقة بأنواع الجلد والماركات العالميّة", مردفًا " إنّ البحث هنا يعتمد على الذّوق والنّباهة ولا يخلو الأمر من القليل من الحظّ، فإحدى زبائني وجدت في جيب قطعة ملابس 50 دولارًا وكان ثمن القطعة 100 ألف ليرة لبنانيّة، وعلى ذكر الأسعار فحدّث و لا حرج فالمفاصلة والمكاسرة عادة متجزّرة في زبون البالة ".
"محمّد" من بلدة مرياطة يعمل في هذه المصلحة منذ قرابة الأربع سنوات، يقول بدوره: أنّه يستورد بضاعته من ألمانيا حيث يتكبّد عناء شحنها و إدخالها إلى لبنان، "عندما كان الدّولار ب 4 آلاف ليرة لبنانيّة كنت أستورد البضاعة و أبيع القطعة الواحدة ب 10 آلاف ليرة لبنانيّة و كان الحال أفضل بكثير من اليوم، في ذلك الوقت كنت أدفع رسوم إدخالها إلى لبنان (جمرك) قرابة 25 مليون ليرة لبنانيّة تقريبًا، أمّا اليوم و بعد ارتفاع الدّولار الجّمركيّ صرتُ أدفع قرابة الـ200 مليون ليرة لبنانيّة عدا عن تكلفة الشّحن الّتي تبلغ 4 آلاف يورو ، و هو ما سوف يُؤثّر طبعًا على الأسعار، والّتي تبدأ من 50 ألف ليرة لبنانيّة (الولّادي) وصولًا إلى المليون ليرة لبنانيّة حسب القطعة."
وعن حجم المبيعات يوضح "إنّ الطّلب على الملابس الشّتويّة أكثر بكثير من الملابس الصّيفيّة. والأحذية هي القطع الأكثر مبيعًا بينها لأنّها من أصناف جيّدة، ولا بدّ من الإشارة إلى الفارق الكبير في الأسعار بين المدينة و خارجها، عندنا أرخص, فالقطعة الّتي تشتريها بطرابلس بـ 5 دولارات نبيعها نحن بدولارين رغم ذلك لا نزال نربح ."
"أمّ خالد" امرأة في العقد الخامس من العمر يغلب عليها مظهر الفقر، تُعرّف عن نفسها أنّها زبونة المحلّ الدّائمة الّتي لا تنفكّ تبحثُ عمّا يناسب جيبها، قائلة : "رغم ارتفاع أسعار البالة تبقى أرخص بكثير من الملابس الجديدة، أشتري الملابس لأولادي بالتّقسيط ومازلت أسدّد الأقساط منذ أن كان الدّولار ب٤٠ألف ليرة لبنانيّة ولم أوفِ سوى جزء بسيط من المبلغ المتوجّب عليّ."
أمّا "جورج" والّذي يصنّف نفسه من الطّبقة المتوسّطة، فيقول "أقصد البالة بشكل دائم لتلبية بعض حاجياتي منذ ما قبل الأزمة، فالبالة بضاعتها ذات جودة و أسعارها مناسبة ، وعند هؤلاء البُسطاء أجد ما أحتاج وقد أجد بعض الحاجيات الّتي لا يمكن توفّرها في سوق الملابس الجديدة. "
وفقًا لأرقام إدارة الجمارك اللّبنانيّة. تتضاعف نسب استيراد هذه السّلعة ليبدوَ أنّ تجارة الألبسة المستعملة ستحجز لنفسها مساحة أوسع في السّلوك الاستهلاكيّ للّبنانيّين مع توسّع الأزمة الاقتصاديّة, ليغدو من غير المستغرب أن نسمع يومًا أنّ إشكالًا بين زبونين وقع على خلفيّة نزاع على قطعة لباس مستعملة.