حادثة مخيّم البدّاوي: إساءة للمخيّم والقضية .. وغزّة
عبد الكافي الصمدما شهده مخيّم البدّاوي يوم الإثنين الفائت، من إشكال رافقته إشتباكات بأسلحة حربية وتبادل القنابل والقذائف أدى إلى سقوط قتيل هو الشاب قاسم بلال الحسن شحادة (17 عاماً) و3 جرحى، لم يكن فقط تصرفاً غير مقبول من قبل المتسبّبين بالإشكال، وأساء إلى المخيم وسكانه والقضية الفلسطينية في وقت تشخص فيه أنظار العالم إلى الجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، إنّما كان أيضاً جرس إنذار للمخيم ككل، سكاناً وفصائل، ودعوة عاجلة لاحتواء الإشكال ومعالجته، وبذل جهد كبير لمنع تكرار أيّ إشكالات مماثلة مستقبلاً.
من تابع ما حصل يومها وتداعيات الإشكال خلال الأيّام التالية، لم يتخيّل أنّ السبب الرئيسي لما حصل يومها هو خلاف نشب بين أشخاص في المخيّم حول وضع حاوية "كونتينر" في أحد زوايا المخيم بقصد أن تكون مقهى لأحد الأشخاص، وأن يؤدي ذلك الخلاف إلى سقوط دم أبرياء، والتسبّب في شلّ المخيم، وإغلاق المدارس والروضات فيه في اليوم التالي بسبب التوتر الذي شهده بعد ذلك.
لا شكّ أنّ الوضع الإجتماعي والمعيشي الضاغط الذي ترزح تحته الغالبية العظمى من سكّان المخيم، يعدّ سبباً رئيسياً لنشوب أيّ خلاف واندلاع أيّ إشكال بين سكانه، إلّا أنّه برغم ذلك لا يفترض أن تكون هذه الأزمة الضاغطة سبباً في أن يعيش المخيم هاجس الإشكالات والإشتباكات بشكل دائم، وتهديد إستقرار المخيم وأمنه.
فقد تسبّب ما حصل في تشويه صورة المخيم، كما بقية المخيمات الفلسطينية، والنظر إليها على أنّها مناطق متفلتة أمنياً، وخارجة على القانون، وتسودها شريعة الغاب، وأنّ ما حصل يوم الإثنين دليل ثابت على ذلك، ما دفع إلى تجديد البعض دعوته إلى ضبط وضع المخيمات الفلسطينية في لبنان، والتعامل مع سلاح المخيمات على أنّه تهديد لاستقرارها واستقرار لبنان.
إلّا أنّ الإساءة الأكبر التي ارتكبها المتسبّبون في الإشكال كانت القضية الفلسطينية التي شهدت وتشهد في هذه الأيام نتيجة العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، تضامناً لبنانياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً واسعاً معها لم يسبق أن عرفته من قبل، سياسياً وشعبياً وإعلامياً.
منصّات وسائل التواصل الإجتماعي حفلت بتعليقات شتى في هذا السياق. فالمتضامنون مع القضية الفلسطينية ساءهم ما حصل، وأبدوا إنزعاجهم وأسفهم مِن أن لا تُوجّه تلك الرصاصات والقذائف والقنابل نحو العدو الإسرائيلي، وأن يقتتل الإخوة على أمر عابر بينما مصير القضية الفلسطينية على المحك، وأن تصل خلافات بسيطة إلى حدّ هدر دماء أبرياء وترويع آمنين وتهديد إستقرار المخيم.
أمّا المعارضين للقضية الفلسطينية فقد عبّر بعضهم على منصّات وسائل التواصل الإجتماعي عن شماتته بما حصل، وأن الفلسطينيين يستحقون ما يصيبهم سواء تحت الإحتلال الإسرائيلي أو في الشتات، وأن التضامن معهم لا يجدي نفعاً، ولا يستحقون أيّ تعاطف معهم.
ولعلّ المسؤولين في مخيم البداوي، كما في باقي المخيمات الفلسطينية في لبنان، من الفصائل إلى الفاعليات الإجتماعية والدينية والتربوية والمدنية يدركون جيداً أنّ تهماً عديدة جاهزة كي توجه إلى المخيمات، كما حصل مع مخيم نهر البارد سابقاً: من السلاح غير الشرعي إلى الفلتان الأمني والإرهاب والتهريب والمخدرات وإيواء الخارجين على القانون وغيرها؛ وأنّ إشكالات واشتباكات شخصية كالتي حصلت يوم الإثنين الماضي في مخيم البداوي من شأنها أن تفتح أبواب الخطر في وجهه من كل حدب وصوب، سواء من داخل المخيم بفعل الإنقسامات بين فصائله، أو من خارجه بسبب وجود أجواء معادية للمخيم والقضية الفلسطينية لن توفر وسيلة لاستغلال أيّ إشكال لاستهداف المخيم وسكانه، وبالتالي فإن الحذر واليقظة وعدم التورّط مطلوبين اليوم من الجميع أكثر من أيّ يوم مضى.