جبهة العدو الشمالية تحت رحمة مسيّرات حزب الله وصواريخه
صواريخ حزب الله ومسيّراته كابوس يطارد جيش العدو ومستوطنيه كتب المحررمع دخول حرب غزة شهرها الثامن واتضاح المؤشرات إلى نتائجها المتوقّعة على كلّ الجبهات؛ لم يعد الحديث عن فشل "إسرائيل" في تحقيق أهدافها المعلنة مجرد تقدير؛ بل حقيقة قائمة تقرّ بها نفسها، وخاصة في جبهة لبنان التي كشفت عمق ارتداع العدو وتعقيد المشهد الداخلي عليه في الشمال.
ومع كلّ تصعيد يلجأ إليه الاحتلال؛ يكون ردّ حزب الله مدروسًا لِلَجمِه عن فرض معادلة أحادية من خلال إدخاله مستوطنات ومواقع وأهداف جديدة في عمق منطقة الجليل ضمن دائرة النار للمرة الأولى.
في الواقع؛ يعيش جيش الاحتلال الإسرائيلي على الجبهة الشمالية مع لبنان وضعًا مأساويًا ومعقدًا للغاية، حيث شهدت هذه الجبهة، في الأيام الأخيرة، ارتقاء كميًا ونوعيًا في العمليات ضد ضباطه وجنوده، فبعد ثمانية أشهر من القتال اتّبع حزب الله تدرّجًا مدروسًا في ثلاثة عناوين: توسيع النطاق الجغرافي، ارتقاء الأهداف، وتطور الوسائل القتالية.
وكشف هذا التدرّج عن امتلاك الحزب خيارات واسعة في كلّ من هذه العناوين، وعن ملاءمة هذه الاستراتيجية لمجريات الحرب ومخاطرها وقيودها، وكل ذلك كشف عن عمق الأزمة التي أخذ يعيشها قادة الكيان الصهيوني ومستوطنيه في الجبهة مع لبنان.
على مستوى النطاق الجغرافي؛ ما تزال أمام حزب الله مساحة مناورة واسعة جدًا، والمفهوم نفسه ينسحب أيضًا إلى الأهداف المتنوعة استيطانيًا وعسكريًا وتقنيًا. وممّا لا شك فيه أن ما في حوزة الحزب من سلاح لم يكشف عنه أهم وأكثر بكثير مما كُشف عنه، إذ نجح في اكتشاف العديد من الأهداف المتنقلة والنوعية واستهدافها عبر مبدأ "القتال المشترك" بين الأسلحة الجديدة، مثل المُسيّرات الانقضاضية والصواريخ بأنواعها وقبضات الدروع والدفاع الجوي والتنصت والرادارات، بالإضافة القيادة والتحكم، إذ تحوّلت المُسيّرات إلى أسوأ كوابيس قيادة المنطقة الشمالية، بحسب إعلام العدو، بعدما نجحت في تجاوز سلاح الجو ومنظومات الاعتراض واستهدافها، وأصابت تجمّعات لجنود الاحتلال استُحدثت خلال المعارك بطريقة مموّهة.
كما نجح حزب الله في تحويل هذه الجبهة الى ساحة استنزاف في أكثر من اتجاه، ما فرض على قيادة العدوّ إنشاء حزام أمني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة مع لبنان. وهي سابقة تتجاوز مفاعيلها البعد العملياتي، إلى تقويض صورة قوة الردع الاستراتيجي لكيان العدو التي كان يتمتع بها، وتُعزِّز صورة المقاومة في المبادرة والرد والردع مقابل سياسة التهويل التي يستند فيها قادة العدو الى أدائهم الإجرامي في قطاع غزة.
لقد كان مشهد نهاية الأسبوع الفائت مأساويًا بالنسبة إلى جيش الاحتلال ومستوطنيه، إذ صعّدت المقاومة الإسلامية من مستوى الرد على عدوان العدو على القرى والمدنيين في لبنان، وبعد 243 يومًا من "حرب حقيقية" وفقًا للمعلّق العسكري في قناة "كان" الإسرائيلية، عمّق وصول مُسيّرات حزب الله إلى شمال عكا، أي "ما قبل حيفا" مدخلةً 50 ألف مستوطن إلى الملاجئ.
لعل أبرز الرسائل التي حملها استهداف الحزب كان مقر قيادة لواء غولاني ووحدة إيغوز في ثكنة شراغا شمال عكا. كما أدخلت المقاومة مدينة نهاريا وجنوبها ضمن خطة الضرب المباشر، ما يعني فتح الباب أمام نزوح عشرات آلاف آخرين من المستوطنين.
كما شنّت المقاومة هجومًا جويًا بسرب من المُسيّرات الانقضاضية على المقر القيادي المستحدث للجبهة الشرقية في فرقة الجليل مستهدفًا المبنى القيادي فيه وأماكن تموضع واستقرار ضباطه وجنوده. كما قصفت مرابض مدفعية العدو في الزاعورة، وأسقطت مرة جديدة طائرة من دون طيار من نوع "كوخاف"، هيرميس 900، وشنّت هجومًا جويًا بسرب من المُسيّرات على مقر كتيبة الجمع الحربي في ثكنة يردن في الجولان المحتل مستهدفة رادار القبة الحديدية فيها وأماكن استقرار وتموضع ضباطها وجنودها وأصابت أهدافها بدقّة، ما أدى إلى تدمير الرادار وتعطيله وإيقاع الضباط والجنود بين قتيلٍ وجريح، بالإضافة الى قصفها بِرمايتين متتاليتين مقر قيادة فرقة الجولان 210 في ثكنة نفح بعشرات الصواريخ. كما أن مساحات واسعة من الجليل اشتعلت جراء الصواريخ من كريات شمونة إلى كفار جلعادي وصولًا إلى جنوب الجولان، حيث كانت النيران تلتهم كل ما يعترض طريقها.
أمام هذا الواقع الأليم؛ اختصر موقع "حدشوت بزمان" الإسرائيلي مشهد الجبهة الشمالية بأنه: "في العموم، لا توجد نقطة في الشمال لا يستطيع حزب الله أن يضربها بدقة بالمُسيّرات، كما يستطيع أن يضرب بسهولة مصانع الدفاع والقواعد العسكرية ومخازن الوقود وحتى مجموعات رافائيل المحميّة بمجموعة متنوّعة من الدفاعات".
كما أنّه باتت تزداد قناعة الإسرائيليين عمومًا، ومستوطني الشمال خصوصًا، بأنّ "حزب الله غير مردوع، وهو يفعل ما يريد، ويطلق النار على أي هدف متى أراد ذلك"، وفقًا لمسؤول في بلدية مستوطنة "كريات شمونة"، في حين نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن قائد القوات البرية السابق في الجيش الإسرائيلي اللواء يفتاح رون تال، بأنه قال: "ليس الأمر ما إذا ستكون هناك حرب في الشمال، بل هناك حرب في الشمال، حرب نشعر فيها بالإهانة، حزب الله بنى حزامًا أمنيًا، لقد فكّك مجتمعاتنا، ونصف السكان لا يعرفون ما إن كانوا سيعودون".
بهذا يكون حزب الله أوصل رسائل ميدانية وسياسية، أظهرت لقيادة العدو فشل رهاناته حتى الآن، وأثبت للحزب أيضًا أن حرصه على تجنّب الحرب، لا يقيّده عن الرد بما يعزز معادلة حماية لبنان وعمق المقاومة، على قاعدة "بتوسّع بنوسّع".
يعني ذلك أن مواصلة العدو هذه السياسة ستُقابل أيضًا بتوسيع مدروس وهادف في معادلة محكمة تسهم في محاصرته بمراوحة ميدانية ضاغطة عليه من الشمال في أكثر من اتجاه، وتصبّ في نهاية المطاف إسنادًا لغزة وتعزيزًا لموقع لبنان والمقاومة في معادلة ما بعد الحرب.