نداء الوطن _ "أحزاب سوريا" تستعيد نشاطها في عكار
مايز عبيدهل تعود الأمور بين لبنان وسوريا إلى ما كانت عليه؟ وهل ترجع الأحداث السياسية إلى سابق عهدها بين البلدين، أي إلى ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005؟ سؤال يُطرح في ضوء المستجدّات، خصوصاً أنّ متابعين يعتبرون أنّ هذه العلاقة ستعود هذه المرة انطلاقاً من بوّابة الشمال، وتحديداً عكار.
في الواقع لا يمكن إغفال أكثر من مؤشّر إلى حتمية عودة العلاقة بين لبنان وسوريا، فضلاً عن أنّ ملف النزوح لا يمكن معالجته من دون التشاور بين البلدين. ويرى متابعون أنّ عكار ومناطق لبنانية أخرى قد طبّعت علاقتها بسوريا حتى قبل التطبيع على المستوى المركزي. إنّ عكار التي تجمعها بسوريا حدود طويلة، تقدّر بنحو 110 كيلومترات، عادت إليها حركة أحزاب وتيارات قوى الثامن من آذار المحسوبة على سوريا، وهناك نشاط لافت لحزب «البعث» الذي ينظّم صفوفه ويعقد اجتماعات، ويكاد لا يمرّ شهر إلا يحضر أمينه العام علي حجازي إلى عكار ولو مرّة واحدة.
وعدا مسألة الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا، وتحديداً بين محافظة عكار وسوريا، فإنّ وجود هذه المنطقة على الحدود المباشرة مع سوريا يجعل التنسيق ضرورياً في الكثير من الملفات، ومن أبرزها ملف النزوح، حيث تستقبل عكار أكثر من 400 ألف نازح، عدا ملف مطار رنيه معوّض في القليعات، حيث تقول مصادر متابعة لـ»نداء الوطن» إنه لا يمكن إيجاد صيغة لتشغيله من دون الحديث مع سوريا، بسبب قربه منها، إذ لا يبعد عن الساحل السوري أكثر من بضعة كيلومترات، فضلاً عن غياب أي مطار على هذا الساحل.
وفي عكار مشكلات أخرى غير النزوح، خصوصاً أزمة التهريب (تهريب البضائع ومواسم المحاصيل الزراعية وتهريب البشر)، إضافة الى الأنهر المشتركة والتنسيق الأمني. ونظراً لقرب هذه المنطقة الجغرافية من سوريا، فليس بإمكان الحكومات اللبنانية إيجاد حل للمشكلات من دون الحديث عنها صراحة مع الجانب السوري والإتفاق معه.
مرجع أمني قال لـ»نداء الوطن»: «إنّ الحكومة اللبنانية تتعامل اليوم مع سوريا على القطعة، فكل وزير يتعثّر أمامه ملف في وزارته يزور سوريا. أما التنسيق الأمني فموجود منذ سنوات، ولا سيما في تعقّب المهرّبين والإرهابيين، لكن هذا الأمر ليس كافياً، فما دامت العلاقات شبه جارية مع سوريا، المطلوب أن يُعلن ذلك صراحة ويبدأ التعاون انطلاقاً من العديد من الملفات العالقة بين الجانبين، ومراجعة العديد من الإتفاقات في الجوانب غير الأمنية قد تكون ضرورية لمصلحة البلدين».
بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري تأثرت عكار كأكثر المناطق بالقطيعة بين لبنان وسوريا، وأُقفلت الحدود بين الجانبين، ومع خروج الجيش السوري من لبنان اتجهت العلاقة بين عكار وسوريا إلى ما يشبه القطيعة الكاملة. الأحزاب ذات الارتباط بسوريا انكفأت لصالح الأحزاب الأخرى المناوئة لها. لم تكن المملكة العربية السعودية بعيدة عن هذا التغيير والتموضع السياسي، لكن الآن ومع عودة التنسيق الكامل بينها وبين سوريا في ملفات عدة ومنها الملف اللبناني، تفيد المعطيات أنّ عودة الحركة السياسية على مساحة عكار ومناطق الثقل السنّي الأخرى للأحزاب المحسوبة على سوريا، لا يمكن فصلها عن الجو الجديد في المنطقة.
يُلاحظ اللبنانيون الذين يزورون سوريا أخيراً وجود سيارات تحمل لوحات تسجيل دول خليجية. ولا يمكن فصل عودة الزوار الخليجيين إلى سوريا عن مسار التطبيع بين الجانبين. في المقابل يزداد تدفّق المواطنين اللبنانيين من مناطق الشمال إلى الداخل السوري، علماً أنّ قسماً كبيراً منهم ما كان يزور سوريا منذ 2005، وسط حديث عن أنّ السلطات السورية تتساهل أخيراً بتأمين دخول اللبنانيين إلى أراضيها هذه الفترة أكثر من أي وقتٍ مضى.
وإذ رجّحت مصادر متابعة مزيداً من الحركة للأحزاب المحسوبة على سوريا في مناطق الشمال، رأت أنه كلما زاد التنسيق السوري- الخليجي، أصبح التطبيع اللبناني السوري أسهل، سواء على مستوى لبنان أم على مستوى المناطق، وخفّت حدّة التوترات التي كانت تحكم العلاقة بين الجانبين.