الدخان العربي يزاحم السجائر المعلبة ... أرخص وأنظف!
03 آذار 2023

الدخان العربي يزاحم السجائر المعلبة ... أرخص وأنظف!

ليليان رجب

‎تجاوز سعر  علبة سجائر "المارلبورو" حدود المائة الف ليرة ، في حين بات سعر علبة "السّيديرس" ٤٠ ألف ليرة لبنانيّة،، لم تعد الأخيرة خيارًا لأصحاب الدّخل المحدود بعد أن ارتبط اسمها لفترة طويلة  بهم، لم يعد الدّخان فشّة خلق ولا تبريرًا للتّنفيس عن الضّغوط اليوميّة، بل أصبح بحدّ ذاته عبئًا على المدخّن، فالأزمة الّتي غيّرت الكثير من السّلوك الاستهلاكيّ للشّعب اللّبنانيّ الّتي شملت الدّخان أيضًا فالكثير من المدخّنين بدّلوا من عادتهم،  لم تعد كلمة "ما بغيّر" تُسمع على لسان المدخّنين واستبدل المستهلكون للدّخان المستورد دخّانهم بأصناف وطنيّة في حين توسّعت فئة مستهلكي " الدّخان العربي " .

في بداية الأمر،حاول المدخّنون التّمسّك بنوع الدّخان الّذي اعتادوا عليه لسنوات طويلة،أمّا اليوم فقد لعب الدّولار لعبته  ،ممّا جعل المدخّن  يتحسّر ويتحدّث مع سيجارته متمنّيًا الإقلاع عنها.  ارتفاع أسعار السّجائر، بنوعَيها المحليّ والأجنبيّ، كان عاملًا أساسيًّا وراء اتّجاه العديد من المدخّنين نحو التّبغ العربيّ، الّذي كان منسيًّا إلى درجة كبيرة قبل الأزمة.

يتحدّث الأستاذ علي برهان وهو من قُدامى مدخّني الدّخان العربيّ، كيف كانت الأنظار تشخص صوبه، حين كان يلفّ سيجارته في الأماكن العامّة  ويُضيف " لم يكن السّعر وحده السّبب  الوحيد الدّافع  لاستهلاك الدّخان العربيّ، بل أيضًا لأسباب تتعلّق بالاعتياد وخلوّه من أيّة إضافات أو نكهات مرتبطة بالمزاج، لا بالقدرة الاستهلاكيّة فقد كنّا نرى البعض من الطّبقة الميسورة  يستهلكون الدّخان العربيّ وذلك كونه لا يخضع لمعالجة كيميائيّة ولايحتوي على إضافات  تترك كثيرّا من الأثر الضّار على صحّة الإنسان"  ويوافقه الأستاذ إبراهيم فرح  وهو من مستهلكي  الدّخان الأجنبيّ على أنّ الدّخان العربيّ أكثر صحّة للإنسان والأوفر في يومنا هذا، إلّا أنّ الكثيرين لا يعرفون كيفيّة التّعاطي معه كونه يخضع لأصول خاصّة في التّخزين والتّرطيب ناهيكم عن مهارة لفّ السّيجارة وما تحويه من صعوبة .

أمّا خالد وهو مدخّن حديث للدّخان العربيّ فيقول " الدّخول إلى هذا "الكار" يرافقه الكثير من المعاناة خصوصًا أنّ لفّ السّجائر مرتبط دائمًا باستهلاك نبتة الحشيش فلا يخلو يوم من أن يسألك أحد إذا ما كانت السّيجارة مضروبة أم لا، ملمّحاً إلى تعاطي المخدّرات، ونسمع دائمًا عن شُبّان يستهلكون الدّخان العربيّ جرى توقيفهم لمجرّد أن ضُبطَ معهم دفتر ورق الشّام الخاص بلفّ السّجائر. بالإضافة إلى الكثيرين الّذين يطلبون منّي لفّ سيجارة لهم كونهم يعتبرونها تجربة أو مغامرة تستوجب الخوض فيها ،فكلّ كيلو دخان نصفه ضيافة ونصفه استهلاك شخصيّ"

أحمد وهو أحد بائعي الدّخان العربيّ من منطقة الضّنّيّة يعاني أيضًا، فالسّوق كما يقول  بات مكشوفًا وعُرضة للمنافسة والغشّ بغرض المضاربة في الأسعار، فكيلو الدّخان الجيّد يصل سعره إلى حدود السّبعمائة ألف ليرة لبنانيّة، في حين أنّ بعض بائعي الدّخان يعمدون إلى خلط الدّخان بالتّنبك كونه أرخص، فيباع الكيلو بأربعمائة ألف ليرة لبنانيّة، فأكثر المستجدّين لا يعرفون طعمة لسانهم "مهم يلف ويدخن" .

وفي حديث مع أحد المزارعين شرح قائلًا بأنّ" الدّخان العربيّ يحتاج إلى تربة ساخنة، والمعروف أنّ نبتة الدّخان هي من أندر النّباتات الّتي لا تأكلها الحيوانات ولا تقترب منها بسبب مرارة طعمها ،وهو خالٍ من أيّ كيماويّات الّتي تترك أثرًا ضارًا على الإنسان."

وأضاف :" مئات من مزارعي الدّخان العربيّ يعيشون من خلال استغلال موسم الدّخان ، بحيث نقوم بقطفه وتجفيفه ومن ثمّ فرمه يدويًا بواسطة السّكين أو آليًّا ،وبسبب الأوضاع الاقتصاديّة السّيّئة أصبح الطّلب على الدّخان العربيّ أكثر من الأجنبيّ، وبيعه مباشرة للمستهلك أكثر ربحًا من تسليمه للرّيجي".

"مصائب قوم عند قوم فوائد" هذا ما قاله عمر ، وهو مزارع عكّاري يملك محلًّا لبيع الدّخان ،وأضاف:

"يوجد ربح خلال هذا الموسم،وارتفاع الطّلب على الدّخان زاد من ارتفاع الرّبح والمدخول، نحنا ربحنا والناس ربحت صحة ووفرت المال".

للطّب مقاربة أخرى للدّخان العربيّ يرويها الدّكتور سكاف متخصّص بالأمراض الصّدريّة والتّنفّسيّة قائلًا " لا يمكن التّسويق للدّخان العربيّ على أنّه أكثر صحّة وهو الأمر المناف للواقع فالضّرر واحد خصوصّا أنّ المزارع يرشّ المبيادات الحشريّة ويعالج الآفات النّباتيّة دون اتّباع أيّ محاذير أو ارشادات ما يضاعف خطر استهلاك هذا النّوع من التّبغ كون الموادّ الكميائيّة والمعادن الثّقيلة يجري استنشاقها وتدخل جسم الإنسان بكمّيّات قد تكون أكثر خطورة من الدّخان المعلّب ، فالمفاضلة بين الدّخان العربيّ والدّخان المعلّب والمعالج متساوية لجهة الخطورة والضّرر".

رغم هذه الأزمات،ارتفعت نسبة التّدخين عند المواطن اللّبناني بدل أن تقلّ،"بشو بدو يروّق راسه الواحد بهالظّروف" هذا ما قاله محمود وهو من مدخّني الدّخان الأجنبيّ. بالإضافة إلى أنّ نصف معاشه الّذي لم يعش ذهب فداء الدّخان، جعل محمود يصفن بسيجارته فاقدًا للأمل قائلًا "يلا هيك هيك كلنا رح نموت".

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen