هل تبقى رئاسة الحكومة في طرابلس؟
عبد الكافي الصمدباكراً فتح الرئيس نجيب ميقاتي معركة التنافس على رئاسة الحكومة، عندما أعلن في مقابلته التلفزيونية ضمن برنامج "الرئيس" الذي يُبثّ على شاشة قناة "الجديد" مع الزميل سامي كليب يوم الثلثاء الماضي، في 21 شباط الفائت، أنّه "لا أسعى إلى رئاسة الحكومة مجدّداً"، ما طرح أسئلة حول الأسباب التي دفعت ميقاتي للإعلان عن "نهاية" مستقبله السياسي في هذا التوقيت، وحول من سيخلفه في منصب الرئاسة الثالثة عندما يحين أوان تكليف شخصية سياسية سنّية لتأليف حكومة العهد المقبل بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟
وإذا كانت دوافع ميقاتي لهذا العزوف عن السعي مستقبلاً وراء منصب الرئاسة الثالثة، التي وصل إليه 3 مرات في أعوام 2005 و2011 و2021 (كُلّف مرّة رابعة بتشكيل الحكومة في 23 حزيران 2022 لكنّه لم يؤلّفها، واستمر يُصرّف أعمال حكومته الثالثة)، ستعرف مستقبلاً بعد كشف الأسباب، إذا ما كانت خاصّة به أم داخلية أو خارجية، التي تقف وراء قراره، فإنّ عزوفه يأتي إستكمالاً لقرار عزوفه عن خوض غمار الإنتخابات النّيابيّة التي جرت في 15 أيّار 2022، عندما أعلن قبل نحو شهرين من موعد الإنتخابات النيابية بأنّه لن يترشّح لخوض غمارها، مكملاً بذلك خطوة أعضاء نادي رؤساء الحكومات السّابقين الذين عزفوا عن خوض هذا الإستحقاق، كلٌ لأسبابه، بعدما سبقه تباعاً كلّ من الرؤساء تمّام سلام وسعد الحريري وفؤاد السّنيورة، ما جعل فراغاً كبيراً تشهده الطّائفة السنّية في تمثيلها النيابي، ولاحقاً الحكومي، لم تعرفه في تاريخها منذ نشأة الكيان اللبناني عام 1920.
موقف ميقاتي من إعلان زهده العودة إلى الرئاسة الثالثة في العهد المقبل، فتح شهيّة كثيرين طامحين لحمل لقب "دولة الرئيس" والوصول إلى السّرايا الحكومي الكبير، سواء بالعودة إليه إذا كان الطامحون من الرؤساء السّابقين إذا سنحت لهم الظروف بذلك، أو من الوجوه السنّية الجديدة التي يُكثر في صفوفهم العديد من الطامحين للدّخول إلى نادي رؤساء الحكومات.
من بين هؤلاء يبرز النّائب فيصل كرامي الذي لا يخفي، قولاً أو تلميحاً، طموحه بالوصول إلى المنصب مستنداً إلى إرث عائلته السّياسي، بعدما تربّع عليه ثلاثة من عائلته أكثر من مرّة في المنصب، جدّه عبد الحميد وعمّه رشيد ووالده عمر، ويبرز مسعاه هذا في محاولته تأليف "كتلة وطنية" من عدد من النوّاب كي تكون له رافعة عندما يحين أوان إستحقاق تأليف حكومة العهد المقبل، وإذا ما توافرت ظروف سياسية ما تعبّد الطريق أمامه نحو السّرايا الحكومي.
باستثناء كرامي، لا تبدو أيّ شخصية سياسية سنّية طرابلسية تملك حظوظاً بخلافة ميقاتي وإبقاء رئاسة الحكومة في عاصمة الشّمال، إما نظراً لتقاعد بعضهم سياسياً كالنّائبين السّابقين محمد الصفدي وسمير الجسر والوزير السّابق رشيد درباس، أو عدم نضوج وجدّيّة الآخرين من نوّاب وسياسيين وطامحين بالمنافسة على منصب الرئاسة الثالثة أمام آخرين، من خارج طرابلس، يملكون حضوراً أوسع وتجربة أكبر.
من بين هؤلاء وزير الإقتصاد والتّجارة الحالي في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، الذي قال في حديث صحافي أدلى به إلى جريدة "نداء الوطن" (الاثنين 27 شباط 2023) أنّه "أرى نفسي رئيساً للحكومة، لأنّني غير مُحمّل بأثقال من الماضي تُكبلني"، معتبراً أنّ "هذه المرحلة تتطلب قيادات ليست مكبّلة بمصالحها الخاصّة (أشار إلى ميقاتي بهذا الصدّد الذي "يجد نفسه اليوم في مكان صعب"، حسب قول سلام)، وتكون حرّة، تتمكن من التحرّك من دون أيّ قيود. لكنّ ذلك صعب في ظلّ قيادات ترتهن لمصالح خاصّة".
غير أنّ سلام لا يستند في طموحه إلى نجاحه الذي حققه في وزارته، فذلك موضع شكّ من قبل كثيرين، إنّما يرتكز إلى كونه من الوجوه السّياسية الجديدة التي تلقى دعماً خارجياً، وأنّه سليل عائلة سياسية لطالما كان لها حضور سياسي ونيابي وحكومي وازن. إلّا أنّ هذا الطموح الذي يستند إلى إرث عائلي ينافسه عليه السّفير السّابق نوّاف سلام، الذي طُرح إسمه أكثر من مرّة، وما يزال، لتكليفه تأليف الحكومة، ما يجعل كلّ منهما ـ أمين ونوّاف ـ ينتظر توافر الظروف المناسبة ليقطف نتيجة طموحه.
إلى هؤلاء يُطرح بين الفينة والأخرى إسم نائب بيروت فؤاد مخزومي، وبدرجة أقل نائب صيدا عبد الرحمن البزري، إضافة إلى آخرين.
ففي هذا السّياق أوضحت مصادر سياسيّة مطلعة لموقع "06News" أنّ "كلّ هذا السّباق يبدو حالياً وكأنّه يجري في الوقت الضّائع، وبلا أيّ طائل، ويمثل إستنزافاً للطّامحين وحرق أسماء، لأنّ الأولوية اليوم هي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو أمرٌ لا يبدو قريباً، كما أنّ الظروف المحيطة والمرافقة بانتخاب رئيس الجمهورية المقبل هي التي تتحكم باسم رئيس الحكومة المقبل، الذي قد يكون واحداً من بين الأسماء المطروحة، أو يكون مفاجأة غير منتظرة".